العلة ليست في خريجي «الثانوية»، بل في إدارة عامة حولت أكثر فئة يمكن أن تدعم الاقتصاد إلى أثقل فئة عليه، فلا مناهج التعليم تدعم احتياجات سوق العمل، ولا سوق العمل نفسه متنوع أو مبتكر ليطلب احتياجات جديدة سنوياً.

Ad

بتخرج نحو 28.5 ألف طالب من الثانوية العامة مطلع الأسبوع الجاري يتجدد الضغط الذي تمثله فئة الشباب على مؤسسات وخدمات وميزانية الدولة سنوياً، في ظل تنامي هذه الشريحة مجتمعيا لما يوازي 60 في المئة من الكويتيين دون سن الـ24.

28.5 ألف طالب وطالبة سيتم تكديس معظمهم، كما يحدث سنوياً، في المؤسسات التعليمية كجامعة الكويت والتعليم التطبيقي، وبدرجة أقل في الابتعاث الداخلي والخارجي، وهذه ليست المشكلة الوحيدة التي تتعلق بتخطي عدد الخريجيين للطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي أو لعدم وجود جامعة جديدة، بل في أن هذا العبء سرعان ما سينتقل من مؤسسات التعليم العالي إلى سوق العمل، ليزيد الأزمة على باب الرواتب والأجور.

بالطبع العلة ليست في خريجي «الثانوية»، بل في إدارة عامة حولت أكثر فئة يمكن أن تدعم الاقتصاد الى أثقل فئة عليه، فلا مناهج التعليم تدعم احتياجات سوق العمل، ولا سوق العمل نفسه متنوع أو مبتكر ليطلب احتياجات جديدة سنويا، فهو أحادي الى جانب كبير تتركز فيه العمالة الكويتية في القطاع الحكومي وما الحديث عن تنوع الاقتصاد وسوق العمل إلا ديباجة مكررة لبيانات مجلس الوزراء في الغالب لا تجد من ينفذها.

عندما نعلم أن إجمالي عدد طلبة المدارس والجامعات والمعاهد التطبيقية في الكويت تجاوز العام الحالي 530 ألف طالب، فإن أول تساؤل يرد إلى الذهن هو: كيف يمكن لدولة تواجه منذ 20 عاما أو أكثر تراجعا سنويا في خدماتها الأساسية، وبدأت اليوم تشهد تراجعا أخطر في إيراداتها أن توفر الاحتياجات المتزايدة من تعليم وعمل وسكن وصحة لهذا الرقم الضخم من الجيل الحالي خلال 20 سنة مقبلة؟

قضايا مرعبة

فالأرقام، ولاسيما المتعلقة بالكتلة البشرية فئة الطلاب التي تشكل ما نسبته 41 في المئة من إجمالي عدد الكويتيين، تعد من القضايا المرعبة، لأن هذه الكتلة ستتحرك أولا للضغط على التعليم العالي، إذ إن عدد المنتسبين للتعليم العام يبلغ 373 ألف طالب من رياض الأطفال الى الثانوي، وهذه المرحلة الأخيرة تضم 90 ألف طالب سيضغطون بكل قوة على التعليم العالي.

فالتعليم العالي بالذات انكشف قبل سنوات في أزمة القبول الجامعي، والتي عالجتها الحكومة بنظام الإبر المخدرة عبر الضغط على الجامعة لقبول نحو 3 آلاف طالب وطالبة خارج قدرة الجامعة الاستيعابية، تفاديا لأزمة انكشاف تفضح عجز الإدارة الحكومية عن تلبية طلباتهم، فما كان الحل إلا تكديس الجميع على حساب كفاءة المادة العلمية، فضلا عن المخرجات وأهداف ما يتحدث عنه مسؤولو الحكومة خطة التنمية.

طبعاً الضغط على التعليم الجامعي سيتبعه ضغط أكبر على سوق العمل، فالدولة توظف حاليا في كل سنة نحو 20 ألف موظف جديد، وحتى الآن لا توجد أزمة بطالة حقيقية في المجتمع الكويتي، إلا أن الأرقام المستقبلية تشير الى أن الطلب على العمل خلال السنوات القادمة سيبلغ نحو 3 أضعاف العدد الحالي، أي 60 ألف وظيفة سنويا، وهو أمر خطير للغاية في ظل تراجع أسعار النفط وعدم قدرة الدولة لا على تنويع إيراداتها لا على تحفيز سوق العمل، ما يعني مخاطر الضغط على الميزانية لتلبية احتياجات التوظيف ستزداد الى أن تحدث أزمة بطالة حقيقية أو عجز عن السداد.

فالدولة من خلال قطاعيها العام والنفطي توظف حاليا 89 في المئة من قوة العمل، في حين يبلغ إجمالي الرواتب 9.9 مليارات دينار من أصل الميزانية العامة للدولة التي تبلغ حوالي 19 مليار دينار، في ظل ضعف لافت لبيئة القطاع الخاص المتعلقة بتوفير فرص العمل.

فليس هناك استقطاب حقيقي لرأس المال الأجنبي يسمح بفتح مشاريع تستقطب الخريجين، ولا مشاريع صغيرة ومتوسطة تم اختبارها بشكل حقيقي، فضلا عن توفير فرص العمل في القطاع الحكومي، ولاسيما النفطي، عوائد مالية تفوق أحيانا عائد القطاع الخاص، وبالتالي فإن كل ما يتعلق ببيئة العمال الحالية يشجع على الإقبال نحو الوظيفة الحكومية.

خطط التنمية

في الكويت خطط التنمية تتحدث عن المشاريع والإنشاءات، لا عن التعليم وتغيير فلسفته التلقينية لربطه بسوق العمل، رغم أن النسب تشير الى أن المجتمع معظمه من فئة الشباب، ما يعني أن المستقبل كله لمن هم في المراحل التعليمية لا لغيرهم.

ولعل تحدي سوق العمل يتشابك مع تحدي تطوير النظام التعليمي الذي يتم الإنفاق عليه بمعدلات عالمية تصل إلى 3.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم يوازي ما ينفق على التعليم في دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وفنلندا وغيرها، ومع ذلك فالعوائد من هذا الإنفاق العالي تأتي سلبية جداً، فالكويت تحتل المرتبة 92 بين دول العالم على صعيد جودة التعليم الابتدائي، والمرتبة 75 على صعيد جودة التعليم الأساسي، والترتيب 104 في جودة التعليم العام.

وبالتالي فإن أي حديث عن التنمية، لا يكون صغار السن أساسه من حيث التعليم أولا وما يرتبط بتغيير نمط التوظيف التقليدي الى فلسفة سوق العمل ثانيا، لن يكون مجديا، لأن المليارات التي تبني المستشفيات والمدن - وهي في أرض الواقع بطيئة جدا - لا قيمة تنموية لها ما لم ترتبط بتطوير البشر، ولذا فالحديث عن دولة غنية ماليا بنظام تعليمي متخلف لا يلبي حاجة سوق العمل، فضلا عن أنه يظهر لنا مكمن الخلل الأساسي في الدولة... وهو الإدارة.