طلب المستشار بورسلي من المشرع الكويتي، ممثلا في مجلس الأمة، الإسراع في تعديل قانون إنشاء الدائرة الإدارية الحالي، بما يسمح للأفراد بالطعن على كل القرارات الإدارية، بعد تأكيده في كتاب له، تنشر «الجريدة» أبرز توصياته، ضرورة نظر القضاء كل المنازعات الإدارية، التي يمنع القانون الحالي نظر بعضها، مثل قرارات مسائل الجنسية ودور العبادة والإبعاد الإداري.

Ad

اعتبر رئيس الدائرة الإدارية الاولى بمحكمة الاستئناف عضو المحكمة الدستورية المستشار د. عادل بورسلي ان ممارسة الدعوى الادارية لإلغاء القرارات الادارية تعد اداة شعبية مؤثرة في الرقابة على القرارات التي تصدرها الادارات الحكومية، وإجبارها على الالتزام بحدود القانون، ومن اهم صور الحماية القضائية التي يوفرها الشارع للافراد للذود عن حقوقهم وابعاد المخاطر عن حرياتهم، والسبيل الفعال لاستمرار حياة مبدأ المشروعية الذي يكفل بطلان قرارات الادارة المخالفة للقانون.

وقال المستشار بورسلي، في توصيات بخاتمة مؤلفه بعنوان «آثار الحكم في دعوى الالغاء في القانون الاداري الكويتي»، إن على المشرع الكويتي تعديل قانون إنشاء الدائرة الادارية، والغاء الاختصاصات المنقوصة والحصرية لها للقرارات التي تقبل الطعن بالإلغاء.

واضاف ان على المشرع ايضا النص على اختصاص الدوائر الادارية لمباشرة المنازعات الادارية للتقليل من شغف الادارة واسرافها في اصدار القرارات المحصنة والمستبعدة من نطاق دائرة الاختصاص المحدود حاليا للدائرة الادارية، والمسارعة الى إنشاء مجلس للدولة وفق المادة 171 من الدستور.

مراقبة تنفيذ الأحكام

واكد بورسلي ان على المشرع كذلك ان يولي نظره تخصيص قاض للتنفيذ، تكون مهمته مراقبة تنفيذ الادارات والجهات الحكومية للاحكام الصادرة عن المحاكم الادارية والمساعدة في تنفيذها، وان يسهر على بذل كل الجهود الممكنة مع الإدارة المعنية بالتنفيذ، ويكشف لها اي لبس او غموض بمنطوق الاحكام على نحو يقلل اهمية دعوى التفسير التي تكون فيها المحكمة مستشار الجهة الادارية في كيفية التنفيذ اذا كان محل التفسير هو اثار الحكم في دعوى الالغاء.

وطالب بورسلي، في مؤلفه الذي يعد الاول من نوعه في الوطن العربي، والذي يتناول تأثر شروط دعوى الالغاء، ومنها المصلحة والميعاد، بآثارها، بضرورة تشكيل لجنة من هيئة قضايا الدولة في مصر، ومن ادارة الفتوى والتشريع في الكويت تعنى بإصدار ما يلزم من شرح وتفصيل لإزالة صعوبات فهم حقيقة الآثار الناشئة عن الحكم في دعوى الالغاء.

وزاد ان اللجنة يجب ان تتكون من فقهاء ومستشارين وتقدم رأيها وتوصياتها للجهات الادارية التي تطلب النصح والافادة، وكذلك تسهيل وتوسيع نظام وقف تنفيذ القرارات الادارية والتحقق من شروطه، وحث الادارة على الانصياع لمقتضيات ما يصدر عنها من احكام، لان كبح نفاذ القرار يقلل الالتزامات الهادمة عن الحكم بإلغاء القرار.

واوصى بضرورة تدريب القيادات الادارية على فنيات اصدار وصنع القرارات الادارية، وتأكيد عرض مشروعات القرارات التي من شأنها إحداث تغييرات واسعة في المراكز القانونية على المتخصصين قبل اصدارها، لضمان سلامتها من مثالب عدم المشروعية والمحافظة على حقوق وحريات الافراد.

غرامة تهديدية

وأهاب بورسلي، في توصيات كتابه، الذي يعد اول مؤلف لمستشار كويتي في القانون الاداري، بالمشرع في مصر والكويت الاخذ بنظام الغرامة التهديدية لإحداث تدرج في الادارات القانونية قد يغني عن اللجوء الى المساءلة السياسية التي من شأنها ان تؤثر على العلاقة بين السلطات في البلاد وتمس الاستقرار السياسي فيها.

وشدد على ان اهمية هذه الدراسة تستقر في بيان التزامات الادارة حيال الاحكام التي تصدر في دعاوى الالغاء وحقوق الافراد والهيئات المحكوم لصالحهم، لأن الادارة في حالات كثيرة تحتاج لمن ينير لها السبيل ويهديها الى جادة الصواب في وضع حكم الإلغاء موضعه السديد، من حيث التنفيذ القانوني الصحيح.

وبين انه الى حين بلوغ الادارة ضالتها تستطيل الفترة الزمنية بين صدور القرار محل الطعن وصدور الحكم بإلغائه، وبدء اجراءات ترتيب الآثار فيتصور صاحب الشأن ان الادارة ترفض او تمتنع عن الانصياع لآثار الغاء القرار فيلجأ للادوات المتاحة سواء التقليدية او الحديثة، باللجوء الى دعوى جديدة بإلغاء القرار السلبي بالامتناع أو رفض تنفيذ حكم الالغاء أو دعوى التعويض أو استخدام البدائل الجنائية او السياسية او الغرامة التهديدية، ما قد يربك عمل الادارة ويزعزع ثقة الجمهور بها، ويستمر تدفق دعاوى ومنازعات لا طائل منها، ما يؤدي الى تراكم الدعاوى، وتضاعف النفقات واثقال كاهل القضاء بعدد كبير من القضايا.

وأشار الى انه على ذلك فإن تحديد وبيان الآثار التي تنبع عن الحكم في دعوى الالغاء وتأصيلها واعطائها ما تستحقه من عناية من شأنه التخفيف من غلواء المعضلات القانونية المعقدة التي تنتج عن الوضع الحالي المتمثل في غموض ما ينبغي عمله ازاء الآثار.

واردف: «وكيف لا والادارة يمكنها استخدام كل الوسائل المتاحة لقطف ثمار آثار الاحكام الصادرة عن طريق التنفيذ الجبري او الخصم او التحميل او استخدام مظاهرها كسلطة عامة، واعمال الشروط الاستثنائية المقررة في العقود الادارية، وفي المقابل لا يتمتع المحكوم لصالحه في دعوى الغاء القرار الاداري بمثل هذه الإمكانات المتاحة للادارة، ما يجعله الطرف الضعيف الاولى بالاهتمام والعناية».

وسيلة فعالة

واوضح بورسلي ان دراسة الآثار الناجمة عن صدور الحكم بالغاء القرار الاداري وايضاحها تعتبر وسيلة فعالة يحتاجها المجتمع للحد من الاجراءات المضادة التي يملك الجمهور اتخاذها قبل الادارة، ويبدد سخط الافراد وتضجرهم من السلطة التنفيذية، ويحسن العلاقات بين الادارة والافراد، ويشيع جوا من الثقة بينهما.

واكد ان «محل هذا البحث ليس من قبل الترف العلمي، بل يمس الاعتبارات السالفة جميعها، ويستوجب اعادة النظر، ومزيد من الاهتمام من فقهاء القانون الاداري، وهذا ما هدفنا الى تحقيقه، وهو افساح المجال لاعادة معالجة الفكرة ودراستها في ضوء ما صدر وما يصدر من احكام القضاء الاداري طمعا في توفير الامان القانوني لاشخاص دعوى الالغاء، لاسيما الافراد».

وقال: «ونظرا لاهمية الجانب الشخصي المتمثل في حجبه الامر المقضي كان لزاما تخصيص الباب الاول لاستقصاء الآثار الشخصية للحكم في دعوى الالغاء بتمييز الحجية كأصل عام، والتركيز على الحجية المطلقة للحكم الصادر في دعوى الالغاء، وايضاح اساسها وتعريفها وشروطها ونطاقها واستثناءاتها والاحوال التي تمتد فيها آثار الحكم لتمس حقوق الاغيار، وتؤثر في مراكزهم القانونية والحالات التي يحق فيها للغير الافادة من حكم الالغاء واستثماره بما يحقق مصالحهم ويحفظ حقوقهم».

والمح الى ان «هذه الدراسة قادتنا للتوقف عند الآثار المالية الناجمة عن الحكم في دعوى الغاء القرار الاداري، تلك الآثار التقليدية التي ترتدي ثوب دعوى التعويض التي اثبت الواقع القانوني في مصر والكويت انها وسيلة لم تفلح في كسر عناد الادارة، التي تسفه نفسها كل ما رغبت عن ملة المشروعية».

تخاذل الإدارة

وأضاف بورسلي انه «إزاء تخاذل الادارة عن التعاطي القانوني الصحيح مع آثار الحكم في دعوى الالغاء، وعدم جودة وكفاية ما بين يدي القاضي الاداري من وسائل ضمن توفير الادارة لآثار حكمه وتنفيذه تنفيذا كاملا وصحيحا في الوقت المناسب، ابتدعت البدائل الحديثة حتى لا يعيش القاضي اسير بريق الآثار التقليدية دون ان يتخطاها بجهد وانجاز وبدعم من المشرع لاعتماد نظام الغرامة التهديدية».

واردف ان «ذلك الطريق الحديث طبقته بعض الانظمة العربية كالقانون اللبناني، ولم يأخذ به حتى الآن المشرع في مصر والكويت رغم ما يحمل ذلك النظام في ثناياه من حث للادارة حسنة النية على انزال الاثار منزلها السديد، والضرب على يد الادارة المكلفة او المترددة، فما احوجنا في مصر والكويت الى ضمانات فعالة في وقتنا الحالي لترجمة الآثار الى خطوات قانونية ومادية على الارض، دون ان تغل ايدي العاملين في الادارة عن تقديس مبدأ المشروعية بما يحقق التوازن بين حقوق الدولة وحقوق الافراد، او ان نكبت فيهم روح الابداع والابتكار».

واستدرك: «اما الآثار الاجرائية للحكم في دعوى الالغاء فكانت محطة التوقف في الباب الثالث الاخير من هذه الدراسة التي كشفت عن آثار هادمة تزيل وتمحو ما نتج عن القرار غير المشروع المحكوم بالغائه من مراكز قانونية، وآثار مادية هذا الالتزام الاصعب والاكثر ايذاء للادارة، وبالتالي لم تشأ ان تنهي الدراسة دون التوصل الى حل نشا للصعوبة المذكورة من خلال فكرة التحول التي يرتد فيها الاثر الرجعي للقرار الى تاريخ صدور القرار الاصلي الباطل او المعدوم، فضلا عن الآثار البناءة للحكم في دعوى الالغاء».

وشدد على ان «القاعدة هي ان البناء اصعب من الهدم، فقد عرجنا على احوال تلتزم فيها الادارة بعدم إصدار القرار الملغى مجددا، والحالات التي تلتزم فيها الادارة باعادة اصدار القرار مجددا ولم تكن وسيلة سهلة وميسورة وانما كان الامر بالغ الصعوبة والتعقيد فهو عبارة عن خيط رفيع يفصل بين صحيح حكم القانون ومخالفة مبدأ المشروعية».