ما كان من المفترض أن توافق الحكومة العراقية، وعلى رأسها حيدر العبادي، وأن تقبل بظهور عسكري إيراني في تكريت وفي مناطق العرب السنّة عموماً، وهذا إذا كان القرار بالنسبة لهذا الأمر قرارها، ثم والمفترض ألا تُقْحم إيران نفسها في هذا الشأن وبكل هذه الفجاجة، فالمكون العربي السني في العراق لديه إحساس، وهو إحساس صادق، بأنه أصبح بعد عام 2003 مستهدفاً بوجوده ودوره التاريخي ووضعه الذي يستحقه في المعادلة السياسية الداخلية التي من المفترض استبعاد أي تأثيرات خارجية عنها وخاصة التأثيرات الإيرانية.

Ad

وحقيقة أن هذا هو رأي اثنين من الرموز الوطنية العراقية؛ الأول هو إياد علاوي، والثاني هو الدكتور غسان العطية، ولعل ما تجب الإشارة إليه هنا أن رئيس الأركان الأميركي مارتن ديمبسي كان قد قال في تصريحات تداولتها وسائل الإعلام الكونية: "إن هجوم تكريت يمثّل التدخل الإيراني في العراق الأكثر وضوحاً منذ عام 2004"، وإن وزير دفاع الولايات المتحدة أشتون كارتر قد تحدث عن هذا الأمر محذراً: آمل ألا يؤدي اشتراك إيران في حرب تكريت إلى صراع طائفي!

لقد كان هناك رأي مبكر، لم يستمع له الإيرانيون ولا المسؤولون العراقيون، وهو أنه يجب استبعاد أي ظهور للإيرانيين في الحرب على "داعش" بالعراق، إذ إن مثل هذا الظهور سيعني بالنسبة للعرب السنة، الذين ذاقوا الأمرّين وكابدوا الويلات منذ الغزو الأميركي لبلادهم عام 2003، أنه استهداف لهم، ولعل ما يؤكد هذه المخاوف أن حراس الثورة الإيرانية قد تصرفوا في مناطق محافظة صلاح الدين كغزاة، وهم لم يتورعوا حتى عن قتل الأطفال ولم يترددوا في إهانة العراقيين الذين ما إن تخلصوا من اضطهاد التنظيم الإرهابي حتى تلقفهم اضطهاد "الباسيج" الإيرانيين، واضطهاد هذه التنظيمات المذهبية التي تصرفت ولاتزال تتصرف كتسديد لحسابات تاريخية.

هل كان ضرورياً أن يغادر الجنرال قاسم سليماني جبهات القتال في سورية، ويأتي إلى العراق مسرعاً ليظهر في "تكريت" التي يعني وصول الإيرانيين إليها في أذهان العراقيين وخاصة العرب السنة معاني كثيرة، من بينها الرد على حرب الأعوام الثمانية التي قال الإمام الخميني بعظمة لسانه إنه تجرع عرض إيقافها كما يتجرع السم الزعاف...؟

إننا لا نتحدث لا عن انطباعات ولا عن أوهام، فإيران، التي من المفترض أنها دولة شقيقة وعزيزة، لا تريد أن تظهر في صورة الحرب المحتدمة في العراق والحرب المحتدمة في سورية... وأيضاً الحرب المحتدمة في اليمن إلا صورتها، ولهذا فإنها فرضت على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وعلى حكومته ألا يكون هناك أي ظهور عربي في بلاد الرافدين لا جوّاً ولا أرضاً، وحتى وإن كان مثل هذا الظهور في إطار التحالف الدولي الذي شكّل بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة "داعش".

إنه ما كان يجب أن يكون لإيران أي ظهور في هذه الحرب على الإطلاق، ولعل من المفترض توقعه، حتى وإن تم تحرير "تكريت" ومحافظة صلاح الدين من احتلال "داعش"، أن تعم الفوضى الطائفية مرة أخرى، على غرار ما ساد في عهد بول بريمر ونوري المالكي، والمشكلة هنا أن الإيرانيين ومعهم التنظيمات المذهبية يتصرفون منذ الآن على أنهم المنتصرون، وعلى أن العرب السنّة هم المنهزمون... وهذا سيجعل مواصلة الحرب على هذا التنظيم الإرهابي في غاية الصعوبة، حتى إذا بقي وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي يردد ما قاله أمس الأول، وهو أن "معركة الموصل المقبلة ستكون عراقية مئة في المئة، سواء من حيث القرار أو من حيث التوقيت أو من حيث القوة العسكرية".