الأمن من الوظائف الرئيسة للدولة، إذ ينتفي مبرر وجودها إن لم تحافظ على الأمن الداخلي والخارجي من أجل الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي، بيد أن الأمن أداة لها حدود معينة ينظمها القانون يجب ألا تتجاوزها وإلا تحوّلت إلى أداة لقمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، وعندئذ تختل وظيفة الدولة وتكون النتيجة العكسية في ما يتعلق بالاستقرار السياسي-الاجتماعي المطلوب للتنمية وتقدم المجتمع.

Ad

وفي هذا السياق مخطئ من يظن أن هنالك تعارضاً بين الأمن والحرية، إذ إن العكس هو الصحيح، فكلما ارتفع سقف الحريات شعر الناس بالأمن واطمأنوا على حياتهم ومستقبلهم، فلجؤوا إلى الوسائل السلميّة للتعبير عن احتجاجهم، أو عدم رضاهم عن القرارات الحكومية، أما القمع وكبت الحريات فإنهما لا يوقفان تفكير البشر، ولا يخففان من استيائهم ومعارضتهم للسياسات العامة، بل ينتج عنهما في أحيان كثيرة التطرف والغلو والعنف والانتقام من المجتمع.

 تاريخ البشرية يُثبت لنا أنه لا أمن حقيقيا في ظل قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، فالأنظمة الاستبدادية والقمعية التي تقوم على الانفراد بالسلطة واحتكار الثروة الوطنية، وانتهاك الحريات وحقوق الإنسان، هي في واقع الأمر أنظمة هشّة من الداخل مهما بدت قوية في شكلها الخارجي، وذلك لأنها تفتقد إلى الظهير الشعبي الحقيقي، لذا سُرعان ما تتهاوى مع أي هزة شعبية بعد أن تكون قد عاثت في الوطن فسادا، ودمّرت أركان الدولة ومؤسساتها مثلما رأينا خلال السنوات القليلة الماضية في ليبيا واليمن والعراق على سبيل المثال لا الحصر.

ومن أسف أن الهاجس الأمني في دول مجلس التعاون في السنوات الأخيرة، وبالذات بعد الثورات الشعبية التي أُطلق عليها إعلاميا مُسمّى "الربيع العربي" قد طغى على الحلول السياسية المستحقة والمطلوبة من أجل معالجة الاحتجاجات الداخلية التي نتجت عن وجود مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية تم تجاهلها لسنوات طويلة، فبرزت فجأة على السطح عندما توافرت الظروف الموضوعية.

وكما ذكرنا غير مرّة فإن تشديد القبضة الأمنية، وانتهاك الحريات مثل حرية الرأي والتعبير لا يقضيان على نزعات التطرف والتزمّت والغلو، بل على العكس من ذلك تماما؛ لأن كبت الحريات، وقمع التفكير الناقد، وانتهاك حقوق الإنسان تزيد من الغضب الشعبي، وتخلق بيئة بدائية ومُنغلقة حاضنة للتطرف والغلو والتزمت والحقد الاجتماعي، وبالتالي، عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.