انتشر مسلحو جماعة الحوثي في أرجاء العاصمة اليمنية صنعاء أمس بعد يوم من هجومهم الكاسح وسيطرتهم على المؤسسات الحيوية بها، وغداة التوقيع على اتفاق «سلام وشراكة» بين الفرقاء السياسيين في اليمن وصفه الرئيس عبدربه منصور هادي بـ«التاريخي»، رحبت السعودية بالاتفاق.

Ad

بعد يوم من هجومهم الكاسح على مؤسسات الدولة في العاصمة اليمنية وغداة التوقيع على اتفاق للسلام مع الحكومة، سجلت عناصر جماعة الحوثي المسلحة انتشارا كثيفاً في صنعاء وسط غياب لقوات الأمن والجيش اليمني.

وتمركز مقاتلون من «أنصار الله» على مداخل وحول مقار الحكومة والبرلمان والقيادة العامة للقوات المسلحة التي سيطروا عليها أمس الأول، كما أقاموا حواجز على الطرق المؤدية إلى هذه المواقع.

ويتجاور عسكريون مع الحوثيين، وقال مهدي الضابط في الشرطة العسكرية لـ»فرانس برس» في موقع قريب من مقر الإذاعة التي يسيطر عليها الحوثيون: «نعمل جنبا إلى جنب مع أنصار الله لحماية المباني الحكومية والحفاظ على ممتلكات الناس».

مداهمات وأسلحة

وقامت عناصر الجماعة التي تطلق على نفسها «أنصار الله» بمهاجمة منازل ومقار لآل الأحمر ونشطاء سياسيين معادين لها.

وأكدت مصادر متطابقة أن الحوثيين صادروا الأحد والاثنين منازل شخصيات من حزب «الإصلاح» المقرب من «الاخوان» واللواء علي محسن الأحمر صاحب النفوذ والعدو اللدود للجماعة.

وهاجمت الناشطة السياسية اليمنية الفائزة بجائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، زعيم التيار الحوثي عبدالملك الحوثي، واصفة إياه بأنه «مجرم حرب يزاول جريمة تقويض الدولة اليمنية» مضيفة: «أي جلوس معه أو اتفاق لا يفضي فورا لتسليم أسلحته والتخلي عن المناطق التي يستولي عليها ومحاكمته يعد جريمة وخروجا عن مقررات مؤتمر الحوار وتصادم مع كل الأعراف والاتفاقات والمواثيق الدولية».

واتهمت كرمان عددا من عناصر جماعة الحوثي المسلحة باقتحام منزلها في العاصمة اليمنية صنعاء، قائلة في تعليقات عبر حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي أمس: «12 فردا من الحوثيين يستولون على منزلي، بعد التوقيع على اتفاقية السلام والشراكة!». وأفادت تقارير أن الحوثيين سيطروا على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة وبدأوا بنقلها الى معاقلهم.

تعزيزات واتفاق

في غضون ذلك، أشارت مصادر في القبائل إلى إرسال تعزيزات من عناصر مسلحة ليل الأحد - الاثنين إلى شمال وشمال غرب صنعاء حيث يعتصم المتمردون منذ أكثر من شهر.

وتزامن وصول العناصر المسلحة من محافظات عمران وصعدة والجوف مع توقيع اتفاق سلام في القصر الرئاسي من شأنه إنهاء الأزمة السياسية وإعادة سيطرة الدولة على العاصمة.

ولم يقبل الحوثيون توقيع الاتفاق مع الحكومة حتى تأكدوا من سيطرتهم على المواقع والإدارات الحكومية الحساسة بقوة السلاح، ووصف سياسيون قبول الحكومة للاتفاق بأنه «رضوخ للأمر الواقع».

في حين أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أن الفرقاء السياسيين نجحوا في التوصل إلى اتفاق تاريخي يضمن بناء البلاد. ودعا في كلمة ألقاها عقب توقيع الاتفاق مع الحوثيين، كل الأطراف إلى «العمل معاً والمضي قدماً».

بدوره، قال المبعوث الدولي لليمن جمال بن عمر إن «الاتفاق ينص على إجراء مشاورات وطنية واسعة من أجل تشكيل حكومة كفاءات في غضون شهر، على أن تعتمد معايير الكفاءة والنزاهة بمشاركة واسعة»، مضيفاً أن رئيس الجمهورية سيصدر قرار تعيين رئيس الحكومة الجديد، وأن اختيار الوزراء سيتم بالشفافية.

وتتمثل أهم بنود اتفاق «السلم والشراكة الوطنية والسياسية في اليمن» بأن يقوم الرئيس بتعيين مستشارين له من «أنصار الله» و«الحراك الجنوبي»، وأن يقوم الرئيس بتسمية رئيس الحكومة وفق المعايير المتفق عليها ثم يقوم المستشارون بترشيح أعضاء الحكومة.

بعد ذلك، يختار الرئيس وزراء الخارجية والداخلية والدفاع والمالية، في حين يختار رئيس الحكومة الحقائب الأخرى، على أن تقوم الحكومة خلال 30 يوما من تشكيلها بإعداد برنامج توافقي من ضمنه تنفيذ مخرجات الحوار، كما ينص الاتفاق على توسيع مجلس الشورى.

في السياق، رحبت السعودية أمس باتفاق السلم والشراكة الوطنية بين ممثلي الأطراف السياسية في اليمن. وأوضح وزير الثقافة والإعلام، عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، في بيان عقب الجلسة الأسبوعية التي عقدها مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز، بعد ظهر أمس في جدة أن «مجلس الوزراء أعرب عن أسف المملكة العميق لما شهدته اليمن من أحداث تهدد أمنها واستقرارها»

من هم الحوثيون؟

يمثل الحوثيون في اليمن ظاهرة تتداخل فيها عوامل طائفية وقبلية وسياسية وتاريخية. ويطلق عليهم هذا الاسم تيمناً بزعيمهم الروحي الراحل بدرالدين الحوثي ونجله حسين الحوثي الذي قتلته القوات اليمنية في 2004.

ويتخذ الحوثيون الذين ينتمون إلى المذهب الزيدي الشيعي القريب فقهيا من السنة، والمتهمون بالتقارب عقائدياً مع المذهب الشيعي الاثني عشري، حالياً بشكل رسمي اسم «أنصار الله»، الا أن الكيان السياسي الأول الذي أسسوه كان حركة «الشباب المؤمن» الذي ظهر عام 1992 كتجمع سياسي مندد بـ«التهميش» الذي يعاني منه سكان شمال غرب اليمن، معقل الزيديين الذين يشكلون نسبة ثلث السكان في اليمن تقريبا.

وخاض الحوثيون بين 2004 و2010 ست حروب مع صنعاء خصوصاً في معقلهم الجبلي في صعدة، كما خاضوا حرباً مع السعودية بين 2009 ومطلع 2010 في أعقاب توغلهم في أراضي المملكة.

وتعيد الظاهرة الحوثية أشباح ماضي الامامة الزيدية مع تأكيد آل الحوثي انتماءهم الى آل البيت وانتسابهم الى ارث ائمة الممالك الزيدية التي حكمت شمال اليمن طوال ألف عام تقريبا.

واستمر حكم الائمة في شمال اليمن حتى 1962 حين اطاحت بالامام البدر ثورة تهيمن عليها شخصيات سنية، واستمر الصراع في سبعينيات القرن الماضي بين انصار الزيدية والجمهوريين السنة.

لكن الزيدي علي عبدالله صالح حكم اليمن اعتبارا من عام 1978 واقام الوحدة مع دولة اليمن الجنوبي الاشتراكية، ثم قمع في 1994 محاولة قادها جنوبيون للانفصال مجددا، كما خاص ست حروب مع الحوثيين، لا سيما من خلال حلفائه في تجمع حاشد القبلي وزعمائه آل الأحمر.

ورغم الطابع الطائفي لحركتهم، يقيم الحوثيون شبكة علاقات تتخطى الاطار الزيدي الشيعي، بنسجهم تحالفات مع قبائل زيدية وسنية معادية لتكتل حاشد القبلي النافذ وخصومهم الأبرز آل الاحمر.

ويتعرض الحوثيون لاتهامات بالانصياع لسياسة إيران وتلقي الدعم من طهران، لاسيما من جانب الرئيس عبد ربه منصور هادي، لكنهم ينفون ذلك. ويتخذ الحوثيون من العداء للولايات المتحدة واسرائيل و»اليهود» عنوانا لشعاراتهم السياسية، كما تهيمن القضية الفلسطينية على خطابات زعيمهم الشاب عبدالملك الحوثي.

ويبدو جليا تأثر الحوثيين بأسلوب حزب الله الشيعي اللبناني في التواصل الاعلامي والشعبي. ويقول المحلل سامي دورليان: «منذ سنوات، تقارب الحوثيون مع ايران تنظيميا وايديولوجيا وسياسيا واعلاميا، وباتوا اقرب من الشيعية الرائجة، فعلى سبيل المثال، باتوا يحتفلون بعاشوراء بشكل أوسع، ويؤكدون علنا الآن دعمهم لمشاركة حزب الله في المعارك الى جانب النظام السوري».

ومنذ مشاركتهم في الحوار الوطني الذي أعقب انتقال السلطة في 2012، زادت الشبهات حول سعي الحوثيين إلى فرض سيطرتهم على شمال اليمن استباقا لتحويل البلاد الى دولة اتحادية، حيث يمكن أن يحظوا بإقليم مع منفذ على البحر الأحمر.

(صنعاء، الرياض -

رويترز، أ ف ب)