أخطر مما جرى في باريس!
بعد إدانة عملية باريس ألف مرة ومرة، فإنه لابد من لفت انتباه المعنيين في الغرب الأوروبي والأميركي كله إلى أن عليهم إعادة النظر في ما يجري عندهم من حملات منظمة مسعورة ضد الإسلام بصورة عامة، وهذا يحْرِفُ طبيعة الصراع المحتدم في العالم من صراع مع الإرهاب وتنظيماته ومن يقف وراءه إلى صراع أديان، وعلى غرار ما كان عليه الوضع في فترة الحروب التي أطلق عليها المؤرخون الغربيون صفة واسم "الحروب الصليبية"، بينما أطلق عليها العرب والمسلمون اسم حروب "الفرنجة"!حتى قبل جريمة باريس الأخيرة، فإن الذي من المفترض أن المسؤولين في فرنسا والغرب كله لاحظوه وتوقفوا عنده ملياً، و"قمة واشنطن" في 18 فبراير المقبل ستتوقف عنده ملياً وتناقشه، هو موجة كراهية المسلمين، والإصرار على تشويه صورتهم والإساءة إلى دينهم، التي غدت تجتاح العديد من الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا وبعض الدول الإسكندنافية، فهذا هو ما يسلّح الإرهابيين بالمبررات التي يحتاجون إليها لارتكاب جرائمهم المرفوضة والمدانة، والتي يجب استخدام حتى القوة العسكرية للقضاء عليها ووضع حد لها.
قبل يومين من "مذبحة" باريس، التي لا يمكن على الإطلاق إلا إدانتها، كانت هناك تظاهرات حاشدة في ألمانيا ضد المسلمين والإسلام، وليس ضد "داعش" و"الإرهابيين"، وكانت هناك استفزازات لأتباع هذا الدين الذين يتجاوزون بأعدادهم المليار ونصف المليار، وحقيقة إن هذا لا يمكن السكوت عنه ولا قبوله، خصوصاً من هيئات ومراكز ووسائل صنع الرأي العام في العالم الأوروبي والغربي، فالعودة لأدبيات الحروب الصليبية، ونحن في زمن العولمة والعالم الواحد، تعتبر جريمة لا تغتفر، وهي إذكاء لنيران الحروب الدينية التي لا شك في أن هناك في الغرب من يريدها ويسعى إليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشرق. ربما هناك في الغرب من لا يعرف أن الأديان كلها بدأت في هذه المنطقة من العالم، أي في الشرق الأوسط، وأن المسيحيين واليهود كانوا يتآخون مع المسلمين ويعيشون معهم وبينهم، قبل أن تكون قدم مسلم واحد قد وطئت أرض أي من الدول الأوروبية، وربما هناك في الغرب من لايزال لا يعرف أن الدين الإسلامي لا يعتبر أي منكر للمسيحية واليهودية مسلماً، فالمسيح صلوات الله عليه هو بالنسبة إلى المسلمين نبي كما هو محمد، صلى الله عليه وسلم، وكما هو موسى وبقية الأنبياء والرسل، عليهم جميعاً الصلاة والسلام.ثم ربما هناك في الغرب، وخصوصا المنخرطين في ظاهرة الكراهية، والذين يقفون وراء موجة استهداف الإسلام المرتفعة الآن جداً في بعض الدول الأوروبية، من لا يعرفون أن ضحايا الإرهاب من المسلمين تتجاوز أعدادهم وبعشرات ألوف المرات، بل بمئات الألوف أعداد المسيحيين، والدليل ما يجري في العراق وسورية ولبنان ومصر واليمن وليبيا.إن هؤلاء القتلة ليسوا مسلمين ولا مسيحيين، إنهم مجرد حالات مَرَضيِّة شاذة شهد مثلها وأكثر منها الغرب المسيحي على مدى حقب التاريخ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشرق الإسلامي.ولذلك فإن قمة واشنطن في 18 فبراير المقبل يجب ألا تقفز من فوق ظاهرة الكراهية هذه التي باتت تجتاح بعض الدول الأوروبية، والتي هي في حقيقة الأمر أخطر من "داعش" و"النصرة" و"القاعدة" وبقية التنظيمات الإرهابية، لأن هذه التنظيمات بالإمكان حرمانها من البيئة الحاضنة، والقضاء عليها عسكرياً وبالقوة، أما هذا الذي نراه في بعض دول الغرب فإنه إن لم يواجه الآن فسيقحم العالم كله في حروب دينية لن تسلم منها ولا دولة واحدة في كل الكرة الأرضية.