«أكون أو لا أكون!»
كل قرار يتخذه الإنسان، مهما كان، هو أفضل بكثير في النهاية، من حالة «اللا قرار»، حتى إن تبين بعدها أنه كان على خطأ، لأن القرار الخطأ يمكن تصحيحه أو معالجة تبعاته في الغالب، وإن كان الثمن غالياً، وأما عدم اتخاذ القرار فقد يورد الإنسان المهالك.
"أكون أو لا أكون، هذا هو السؤال". هكذا بدأت واحدة من أشهر عبارات المناجاة في دنيا الأدب العالمي، كتبها الكاتب والشاعر الإنكليزي الشهير ويليام شكسبير منذ أكثر من 400 عام مضت، وأجراها على لسان شخصية من أكثر شخصياته إبهاراً وروعة. شخصية هاملت، أمير الدنمارك، في المسرحية التي حملت اسمه، هذه العبارة التي جرت إلى يومنا هذا على ألسنة الآلاف ممن لا يعرفون، وربما لن يعرفوا أبداً، مصدرها، جاءت في الأصل على لسان هاملت، عندما كان يرزح تحت وطأة ما إذا كان من الأفضل له أن يعيش مثقلاً بعبء التزامه بالانتقام لوالده الذي قتله أخوه كلوديوس، أو الانتحار وإنهاء حياته بقتل نفسه!من حسن حظ الأدب وعشاقه، أن هاملت لم يتخذ قراره في الموضوع، واستمرت المسرحية على مدى فصلين آخرين بعد مواجهته لهذا المفترق العسير، وعلى الرغم من أن شخصية هاملت كانت على قدر بالغ من الذكاء والحكمة، فإن شكسبير جعلها أيضاً على درجة عالية من التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرار وحسم الأمور، فجمع فيها بين أمرين يسيران في اتجاهين متعاكسين تماماً. كان هاملت يرى السلبيات والإيجابيات في كلا الخيارين، لكنه لم يستطع أن يحسم أمره فيختار!
أعتقد أن في داخل الكثيرين منا يقبع "هاملتهم" الخاص بصورة من الصور، وبشكل من الأشكال، وحتى أستبق أفكاركم، سأقول إنني لا أعني أن في الكثير منا شخصاً يرغب في الانتقام أو الانتحار، إنما أقصد أن فينا شخصاً يواجه اتخاذ القرارات الحاسمة بشكل متكرر وربما بشكل يومي، ويتمكن كثيراً من رؤية الحكمة في كل الخيارات المتاحة، ويتمكن كثيراً كذلك من رؤية كل المثالب والسلبيات أيضاً، لكنه في النهاية يظل مترددا وبلا قدرة على الاختيار والحسم باتخاذ القرار. المفارقة التي قد لا تتبين للأغلبية منا هي أن عدم القدرة على اتخاذ القرار هي قرار بحد ذاتها، نعم، فمن لا يتخذ قراراً يكون قد قرر بشكل تلقائي ألاّ يتخذ قراراً، وقرر بلا وعي أو إدراك ربما، أن يترك الأمور تجري على عواهنها، وقرر أن يترك الأمور للتصاريف وتحكم العوامل الخارجية لتلعب بها كيفما تشاء!بعضنا كذلك يسيئون تفسير مقولة "الخيرة في ما اختاره الله"، ويعتقدون أن ترك الأمور تجري من دون تدخل منهم، هو ترك لها بيد الله، وأنه عز وجل سيختار الأصلح والأفضل لهم، وهذا فهم مضحك للأمور، بل "لخبطة" اعتقادية كبيرة. نعم، إن الله عز وجل يختار الأصلح دائماً للمؤمن، وأن في كل أمر يجري على المؤمن، هنالك خير، وإن لم يكن ظاهراً أو لم يكن عاجلاً، لكن هذا الخير يحتاج في نهاية المطاف أن يتخذ المرء قراره ويعمل بمقتضى هذا القرار ليتحمل توابعه، فالسماء لا تمطر ذهباً، كما قال عمر رضي الله عنه، والخيرات لا تنبت في قارعة الطريق. لا بد من الحسم والمواجهة لكل أمر يطرأ علينا في هذه الحياة، ولا بد من عدم ترك الأمور معلقة إلى ما لا نهاية، وكل قرار يتخذه الإنسان، مهما كان، هو أفضل بكثير في النهاية، من حالة "اللا قرار"، حتى إن تبين بعدها أنه كان على خطأ، لأن القرار الخطأ يمكن تصحيحه أو معالجة تبعاته في الغالب، وإن كان الثمن غالياً، وأما عدم اتخاذ القرار فقد يورد الإنسان المهالك.أؤمن تماما أن اتخاذ القرارات، مهما صغرت أو كبرت، هو أمر يدور حول محور أساسي هو السؤال "أكون، أو لا أكون؟"، هل أقرر أن أكون سيد قراراتي واختياراتي، أم تراني أقرر ألا أكون كذلك، فأصبح ريشة في مهب رياح قرارات الآخرين تلعب بها كيفما تشاء؟ وقد قيل: من لا يتخذ قراراً ولا يخطط، فقد اتخذ قراراً وخطط أن يقع ضمن قرارات وخطط الآخرين. نعم يا سادتي، أكون أو لا أكون، هذا هو السؤال!