في كل المجتمعات الديمقراطية والمؤسساتية -التي يفترض أن نكون جزءاً منها- تأخذ المشاكل والقضايا العامة مسارها في النقاش والمداولة حتى تصل إلى تحديد طرق حلها عبر البرلمانات والحكومات والبلديات وإدارات الحكم المحلي المتنوعة، وتكون غالباً تلك الحلول نتيجة دراسات مستفيضة، وتوصيات وقرارات ملزمة تعمل على تطبيقها الأجهزة التنفيذية دون تأخير أو تعطيل، مادامت تملكت الإمكانات المطلوبة.
ولكن في الكويت لا يحدث ذلك، فعشرات القضايا نوقشت منذ التحرير ووضعت لها الحلول، لكنها لا تطبق أو تطبق مجتزأة ومشوهة، أو تقوم الأجهزة المعنية بوضع رؤى مختلفة تماماً عن السياسات العامة المجازة، وهذا ما يحدث تماماً في مشكلة المرور الأبدية والمتفاقمة في الكويت.التوصيات لحل المشكلة شددت منذ أكثر من 15 سنة على إيجاد وسيلة نقل جماعي حديثة تتلاءم مع ظروف المناخ القاسية في البلد، وأوصت تحديداً بمترو الأنفاق، ولكن الحكومة وأجهزتها وقوى النفوذ مازالت منذ 2004 تتصارع على المشروع، وهو مركون في جهاز المشاريع الكبرى والمبادرات يتم تناقله بين مكاتب الاستشارات والدراسات، بينما الدوحة والرياض، اللتان بدأتا بعدنا، ستفتتحان المراحل الأولى منه قريباً.الحكومة الكويتية تخبّطت كثيراً في ملف المرور، فوعدتنا مرة بانتهاء مشاريع الدائري الأول، ودوار جوازات الرميثية... إلخ، وقالت إن إيقاف صرف رخص القيادة للوافدين، وسحبها من قطاع واسع منهم، سيحلان المشكلة المرورية ولم يحدث ذلك، والآن تراهن على مشروعي طريق الجهراء وشارع جمال عبدالناصر، وهي بالتأكيد مراهنة غير موثوقة النتائج، خصوصاً في ظل ما يعانيه المواطنون والمقيمون من جهد وضياع ساعات من يومهم في وسط الشوارع بسبب الزحام، رغم الوعود المماثلة السابقة.وعلى نفس المنوال كانت ومازالت قضية أخرى مرتبطة بالمرور هي مواقف السيارات في مناطق السكن الاستثماري التي دمرت بسبب بناء العمارات الشاهقة بدون مواقف سيارات للسكان، وهي مشكلة فساد بامتياز، أبطالها الأجهزة الفنية والإدارية والرقابية في بلدية الكويت، رغم وجود مجلس بلدي منتخب مهمته الرقابة والتنظيم، ورغم وجود لوائح وقوانين، فإن الملاك يضعون مواقف افتراضية في السرداب أو الساحة يتم إلغاؤها وتأجيرها بعد إيصال الكهرباء، بينما دول خليجية أصبحت رقابتها صارمة في تخصيص الأدوار الأولى من البنايات السكنية كمواقف سيارات لا يمكن إلغاؤها أو التلاعب فيها.كل هذه الخيبات والانتكاسات في مواجهة قضايانا ومشاكلنا ألا تعكس أننا فقدنا الإحساس بوطنيتنا وغلّبنا عليها اعتبارات أخرى، تجعل مصالح البعض منا فوق مصالح البلد الذي يعاني عدة مشاكل رغم توافر الإمكانات المالية الهائلة والمؤسسات الدستورية، التي من المفترض أن تكون مجمع الرأي ومصدر القرار؟، ولكن هذا لا يحدث في الكويت بل على العكس تزداد مشاكل الطرق والتعليم والإسكان والمطار... إلخ، فكيف يتفق ذلك مع حديثنا الفخم والمنمق عن الوطنية واحتفالاتنا الصاخبة بالوطن الذي نظلمه وننتهك حقوقه علينا كل يوم، ألا يعد ذلك نفاقاً وتبلداً خطيراً في الإحساس؟!
أخر كلام
عندما نفقد الإحساس!
12-03-2015