حالف التوفيق لجنة تحكيم مسابقة «المُهر القصير» في الدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، عندما منحت الفيلم الروائي القصير «الصياد السيئ» إخراج سهيم عمر خليفة (الإمارات / بلجيكا) جائزتها الخاصة.

Ad

يحكي الفيلم في 14 دقيقة ممتعة قصة الشاب «باهوز»، الذي اعتاد صيد الأرانب في براري كردستان العراق، لكنه يفاجأ ذات يوم بصرخات فتاة كردية حسناء تتعرَّض للاغتصاب، وينجح في إنقاذها بعد أن يهدد «المُغتصب» ببندقيته، ويصرفها في سلام بعد وعد مؤكد من جانبه بأن يكتم سرها، وألا يفضح أمرها أمام أهلها وعشيرتها.

قدَّم المخرج سهيم عمر خليفة مشهد الاغتصاب من دون أن يجرح مشاعر المتابع، واكتفى بإظهار ساق الرجل فقط، ثم الفتاة وهي تُصلح هندامها، وكان بمقدوره لو أراد أن يوظف المشهد لابتزاز المشاعر، ودغدغة الغرائز. لكنه لم يفعل، وترفع. وعلى النهج نفسه لم يفوت الفرصة من دون أن يستثمر الطبيعة الخلابة، والجمال الرباني، للإيحاء بأن الطبيعة تُنتهك على أيدي البشر. ولم ينس التنويه إلى العادات الاجتماعية والتقاليد التي تحكم قوم الفتاة، وتبرر هلعها من العودة إليهم عقب اغتصابها؛ فهي التي تروي للشاب كيف قُتلت عمتها على يد زوجها لأن فراشهما لم يُلطخ بالدم ليلة الزفاف، وهو ما يعني أنها لم تكن عذراء. وتكشف له كيف يلجأ البعض إلى التحايل على هذه التقاليد الصارمة بأن يقتل طائراً ويضع دمه على الفراش لتمر الليلة بسلام!

طوال الوقت يبدو «باهوز» ابن قرية «ديوستان» بريئاً إلى حد كبير؛ إذ لا يرتاب، لحظة، في النوايا الطيبة للفتاة، التي نعرف أن اسمها «نسرين»، ويُحسن معاملتها، ولا يتردد في أن يخيط لها قميصها الذي تمزق بفعل الاعتداء الوحشي. ومن ثم تنزل المفاجأة عليه، وعلى الجمهور، كالصاعقة عندما يُفاجأ بزيارة غير متوقعة من الفتاة ووالدها واثنين من أعمامها، ويتخيَّل الشاب لفرط براءته أنهم جاؤوا ليشكروه على صنيعه، وإذا به يكتشف أنه متهمٌ بانتهاك عذرية الفتاة، وفض بكارتها!

هنا نتوقف مرة أخرى لنثمن قدرة المخرج على تكثيف جرعة الإثارة والتشويق، وإشادته الواضحة بقوة شخصية أم الشاب، التي لا تأبه بالسلاح المدجج في أيدي أهل الفتاة، وتُصر على دفع التهمة الظالمة عن ابنها، الذي ربته على الشرف والقيم النبيلة. لكن الفتاة تُصر على اتهامه، ووسط توبيخ الأم، وتأكيد الشقيق بأنه مرَّغ شرف العائلة في التراب، يعترف «باهوز»، بأنه فعلها... ويبتسم في وجه الكاميرا، وسرعان ما يُدرك المتلقي أنه أحب الفتاة، ووقع في غرامها... وهي كذلك، ومن ثم وجد الاثنان في هذه الحيلة، التي لم يتفقا عليها سابقاً، الوسيلة الناجعة للزواج!

اتسم الفيلم بالطرافة، فضلاً عن الإيجاز والتكثيف، والاستخدام البارع للموسيقى المعبرة عن البيئة، والأغنية العذبة التي تسللت بنعومة إلى القلوب والمشاعر، والاستثمار الرائع للطبيعة البكر، والربط غير المباشر بينها ومعنى البكارة ومفهوم الشرف. وقبل هذا كله إثراء الشاشة العربية بلغة بصرية غير مستهلكة، وبأفكار غير مكررة، وهو أمر ليس بجديد على المخرج سهيم عمر خليفة المولود في كردستان العراق، ويبلغ من العمر 34 عاماً، هاجر إلى بلجيكا في العام 2001، وحصل في العام 2008 على درجة الماجستير في الفنون والتصميم من «جامعة سينت لوكاس»؛ فقد أبهر الجميع سابقاً بفيلمه «ميسي بغداد» الذي حصل على جائزة «ألف» الفضية في مسابقة الأفلام الشرق أوسطية القصيرة في الدورة الثالثة عشرة لمهرجان بيروت الدولي للسينما الذي عُقد في العام 2013، وعلى جائزة أفضل فيلم روائي قصير (الخنجر الذهبي) في مهرجان مسقط السينمائي في العام 2014. وتدور أحداثه في العراق في العام 2009 من خلال صبي بساق واحدة ولكنه يعشق كرة القدم، ويهوى مشاهدة مباريات نجمه المفضل «ميسي»، ويوم المباراة التي ينتظرها بفارغ الصبر يتحطَّم جهاز التلفزيون. كذلك حصد فيلمه «أرض الأبطال» جائزة خاصة ضمن مسابقة «أجيال» في مهرجان برلين السينمائي 2011، ونال الجائزة الثانية في مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة في العام 2011، وفيه يعود المخرج، الذي صوَّره بالكامل في العراق، إلى ذكريات طفولته عن حرب الخليج الأولى التي نشبت بين إيران والعراق.

«الصياد السيئ» يؤكد أن جدة الفكرة، وبساطة التناول، هما السبيل إلى صنع فيلم جيد تتوافر فيه مقومات الترفيه، ومواصفات الإبداع، مثلما يضمن الكثير من التسلية والترويح عن النفس، بالإضافة إلى تبني القيم الإنسانية، وبث المضامين النبيلة، في ظل وجود نص جيد قوامه الاختزال والابتعاد عن الخطابة أو المعالجة المدرسية البليدة، وهو أسلوب أصبح معتاداً، وربما لصيقاً، بالمخرج ذي الأصول الكردية، الذي يقدم في كل فيلم من أفلامه درساً بليغاً في رصد واستلهام المعاناة الإنسانية فنياً من دون استغلالها أو المتاجرة بها على الشاشة.