دكتورة تسبح عكس التيار
تغيرت سبل التحليل السياسي وتطورت بتطور السياسة الدولية، وظهرت بوادر معاناة المناهج التقليدية أمام الفكر المتطور والسبل الحديثة في التحليل السياسي، والتي تختلف من باحث إلى آخر، ومازالت بعض الأقسام العلمية والأكاديمية، بأنشطتها ومؤتمراتها في عالمنا العربي، خاضعة لاحتكار أصحاب الفكر الرافض للتجديد، الأمر الذي شكّل عوائق وحواجز أمام الأكاديميين الشباب الجدد.أقول ذلك بعدما استمعت إلى أفكار شبابية أكاديمية، كأفكار الدكتورة الشابة "العرادي"، ناقدة للأوراق المطروحة في أحد المؤتمرات التقليدية، والتي حظيت برعاية وزارات عديدة، أذكر منها "الخارجية"، واستضافة مؤسسات ثقافية متعددة، حيث أشادت يومها بالفكر النقدي الدكتورة نيفين مسعد، وانضممت شخصياً إلى الحوار والنقاش، لعلنا نستطيع تمهيد الطريق أمام المرأة والشباب وأصحاب الفكر المتجدد للمشاركة في المؤتمرات العلمية المقبلة.
وبطبيعة عملي كرئيسة لقسم البحوث بمركز بحثي، ألتقي دوماً بالخريجين الجدد من طلبة الدراسات العليا والطامحين إلى إبراز بحوثهم وأفكارهم والراغبين في كسر احتكار المؤتمرات العلمية، الأمر الذي أعاد إلى ذاكرتي سيرة الدكتورة سوزان سترانج، وهي مفكرة في العلاقات الدولية، الكل يصفها بأنها مشاغبة وتسبح ضد التيار ومخالفة للطرق المعهودة في التحليل السياسي. الواقعيون الجدد انتقدوا أعمالها رغم إيمانها العميق بانتمائها إلى المدرسة الواقعية الجديدة في التحليل السياسي، والبعض الآخر اعتبرها منعزلة لأنها تنطلق في تحليلها السياسي من مفاهيمها النظرية الخاصة بها، ومقالها الذي لقي الشهرة هو ذلك الذي هاجمت فيه الفصل بين السياسة والاقتصاد، واستمرت كناقدة عنيدة وباحثة رائدة في مجال العلاقات الدولية.الدكتورة سترانج استخدمت في تحليلها المدارس الفكرية الثلاث معاً، الواقعية والمثالية والماركسية، ولكن بشكل موازٍ، وكتبت كتاب "رأسمالية الكازينو" عام 1986، مشيرة إلى رأس المال العالمي ومسؤولية الدول في إدارة اقتصاداتها.كافحت سوزان لتقف على المنابر الأكاديمية لتستعرض فكرها التحليلي واحتضنتها المؤسسات الأكاديمية والدبلوماسية، فلم تتعرض، كما يتعرض البعض في عالمنا العربي، لرفض استعراض فكرها الحر، ولم يتم إقصاؤها من المحافل الدبلوماسية، بل فتحت لها الأبواب ولزميلاتها المبدعات وزملائها من أهل الابتكار الفكر المتجدد. رحم الله الدكتورة سوزان، فقد توفيت بعد صراعها مع المرض، ورحم الله أياماً تباهت بها الجامعات بصاحبات الفكر النقدي الابتكاري، وأطال الله في أعمار الفئة الأكاديمية الشابة، وألهمها الصبر في المكافحة لكسر الاحتكار الأكاديمي للمؤتمرات وورش العمل.كلمة أخيرة...نتعامل كباحثين دوماً مع أرشيف الصحف الكويتية، فنتعامل مع المعلومات بعقلانية ونستخدمها للبحث العلمي كمراجع، ولكن ما أراه مؤخراً للأسف هو استخدام بعض الأخبار والصور القديمة للدعاية والتضليل والتشكيك في الشخصيات والمواقف والاصطياد في المياه العكرة... فإلى متى؟!وكل عام والكويت الحبيبة بأعيادها الوطنية وزينتها الجميلة بألف خير وأمن وأمان.