أولت الأوساط السياسية في العراق اهتماماً واسعاً لأكبر عملية تغيير تشهدها القيادات العسكرية في العراق، إذ شملت تغيير مواقع 36 ضابطاً كبيراً، وإقالة قادة بارزين أو إحالتهم إلى التقاعد، بينهم بابكر زيباري رئيس أركان الجيش وحاتم المكصوصي رئيس جهاز المخابرات، وتضمنت تعيين ضباط سُنة في قيادة العمليات بالمحافظات الساخنة، كجزء من عملية تطبيع تجري ببطء بين الحكومة التي يرأسها الشيعي حيدر العبادي ومراكز القوى السنية، فضلاً عن أنها في جوهرها أيضاً «تقليم لأظافر» نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، حيث استهدفت أبرز أعضاء فريقه العسكري.

Ad

ورغم أن الصدى الإيجابي لما فعله رئيس حكومة العراق تجاوز بغداد، وحظي بإطراء وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل أثناء تعرضه لاستجواب عاصف في «الكونغرس» أمس الأول، فإن كثيراً من الفاعلين السياسيين يصفون إجراءات العبادي بالبطء رغم اعترافهم بأهميتها، قائلين إنها تشبه التقدم البطيء الذي يحرزه الجيش في مواجهة تنظيم «داعش»، كما يقولون إن إقالة الضباط المسؤولين عن انهيار الجيش ليست كافية، والمطلوب محاكمتهم عسكرياً وكشف تورطهم في فساد مالي مهول وتكوين ثروات طائلة.

لكن أنصار العبادي يقولون: إن هذا البطء مقصود ومدروس، فبناء فريق عسكري جديد وتجاوز جنرالات المالكي الذين كانوا يده الضاربة، وأسسوا علاقة سيئة مع باقي الأطراف العراقية، هو عملية طُبِخت على نار هادئة، حيث جرى التنسيق مع الأميركان لتكوين قيادة جديدة، تتسلم مهامها تدريجياً، وتضمن عدم حصول خلل ميداني، إثر زلزال التغيير الذي يطال أهم 10 جنرالات في هيئة الأركان وأجهزة الاستخبارات المتعددة، كما أن التغييرات كانت بحاجة إلى اكتمال التقييم العسكري الذي يعده المستشارون الأميركان بنحو متواصل منذ يونيو الماضي، لتندرج ضمن خطة إصلاح وإعادة هيكلة للمؤسسة العسكرية.

ويمكن القول الآن إن المالكي فقد ما كان يعتقده نفوذاً في المؤسسة العسكرية، معتقداً أن العبادي المنتمي إلى حزبه نفسه لن ينقلب على سياساته. ويدرك كبار الساسة أن بغداد صارت أمام نواة لترضيات سياسية مهمة رغم أنها تحتاج إلى مزيد من التقدم، فالتطهير الذي جاء لإرضاء السُّنة في المؤسسة العسكرية، تزامن مع زيارة مهمة قام بها وزير النفط عادل عبدالمهدي إلى كردستان، حيث تمكّن خلال خمس ساعات فقط، من وضع حد لانسداد سياسي بين بغداد وأربيل بشأن النفط والموازنة، ووقّع اتفاقاً أولياً لتسوية المشاكل، يمهد لمجيء وفد كردي رفيع إلى بغداد، لاستئناف الحوار حول الصلاحيات الفدرالية.

والخطوتان عسكرياً ونفطياً، تعلنان بوضوح أن هناك فرصة لطي صفحة سياسات المالكي التي كادت تفكك البلاد نهائياً، وتكشفان قناعة معتدلي الشيعة بأن تقديم التنازلات ضروري الآن لكسب ثقة المحيط الإقليمي والحلف الدولي الداعم للعراق، غير أن العبادي الذي قال إنه مستعد للقيام بقرارات كبيرة وتنازلات غير مسبوقة، ينتظر كذلك من الأكراد والسنة تعاملاً بالمثل وتعاوناً على أكثر من صعيد. ويقول شيعة نافذون إن التزام باقي الأطراف العراقية بدعم العبادي سيساعد الشيعة على حفظ توازن صعب بين متطلبات واشنطن وضغوط طهران، تكون من نتائجه أيضاً خطوات أوسع للتطبيع مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية التي زارها الرئيس العراقي فؤاد معصوم الثلاثاء الماضي على رأس وفد رفيع ضم وزراء من كل الأطراف، وأجرى فيها مباحثات أمنية وُصِفت بالمهمة، متلقياً وعداً من الرياض بإعادة فتح سفارتها في بغداد «بأسرع مما يتصور العراقيون».

إلا أن الطريق أمام العبادي لا يزال وعراً، وسط أزمة مالية خانقة تثقلها نفقات الحرب وانخفاض أسعار النفط وسياسات مالية غير رشيدة تركها المالكي كعبء رهيب على الحكومة الجديدة، وهو ما بدا واضحاً في خطاب قصير من وزير الدفاع خالد العبيدي إلى جنده، مطالباً إياهم بالصبر على نقص الإمدادات والإسناد، ما يعني حاجة بغداد إلى دعم متنوع للوفاء بالتزاماتها الداخلية المرهقة، وهو الصداع الذي سيلازم الحكومة طوال الشهور المقبلة.