"ستتم محاسبة المتسبب كائناً من كان"، جملة أصبحت تتردّد بين كل مصيبة تقع لدينا وأخرى، حتى أصبحت هذه الجملة بحد ذاتها مستفزة للمشاعر، وكفيلة لوحدها بخلق الإحساس بالقهر، تغيرات مناخية عادية يحدث أعظم منها بكثير في مناطق أخرى من العالم، فتكشف لدينا فساداً مستشرياً ضارباً أطنابه في كثير من الجهات الحكومية وغير الحكومية، ومازال المواطنون الذين فقدوا أقرباءهم وأحبابهم أو الذين فقدوا ممتلكاتهم بانتظار أن يحاسب المتسبّب كائناً من كان!

Ad

في دراسة قامت بها جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، أوضحت أن شخصاً كل أربعين دقيقة يموت في حادث مروري في السعودية، ويتحول خمسة أشخاص يومياً إلى معاقين حسب الدراسة، لتحتل المملكة بذلك المرتبة الأولى عالمياً في حوادث السيارات، وبلغ عدد المصابين حوالي ثمانية وستين ألفاً سنوياً، والخسائر المادية نتيجة حوادث السير بلغت ثلاثة عشر مليار ريال في السنة، واللافت في هذه الدراسة أن حوالي 57 في المئة من قتلى الحوادث المرورية هم من منتسبي التعليم في المملكة، نتيجة لظروف عملهم التي تتطلب التنقل إلى مناطق نائية عبر طرق غير آمنة، ومازال البحث جاريا عن "الكائن من كان" والمختبئ في مكان ما في وزارة التعليم، ووزارة النقل، ووزارة الداخلية، أو ربما في جهات أخرى والذي يحصد أرواح هؤلاء البشر على الطرقات ويخطف أفراح أسرهم بقية العمر!

أطفال في عمر الزهور تخطفهم الآبار المهجورة التي تُركت مفتوحة، وآخرين يسقطون فجأة في فتحات شبكة الصرف الصحي والتي تركت هي الأخرى مفتوحة ولا يعودون منها إلا جثثا مكسوة بالقاذورات والفضلات، ثم يصدح مسؤول ما بأنه ستتم محاسبة المتسبب كائناً من كان، ونظل نبحث عن هذا "الكائن من كان" المستتر خلف كل كارثة أو مصيبة تحدث عندنا فلا نجده، وكأنما هذا الكائن خلق من زئبق، فرغم آثاره المدمرة والمأساوية، لم نجد أثراً لبصماته في مسرح الجرائم التي ارتكبها، ولم تستطع الكلاب البوليسية التعرف عليه من خلال رائحة دم ضحاياه الكثُر، وكل الأوراق التي احتوتها ملفات التحقيقات لم تتمكن من رسم ولو صورة تقريبة لملامحه.

لم يتم العثور على ذلك الكائن العجيب، رغم كل الجهود التي بُذلت للوصول إليه، لدرجة أن البعض اعتقد أن هذا الكائن... من "كان"، من مدينة "كان" بفرنسا لذا يستحيل أن نجده في المملكة، البعض الآخر أكّد أن هذا الكائن..من كان، من الماضي فكيف يتم القبض عليه في الحاضر أو المستقبل!

كل التكهنات حول شخصية هذا "الكائن من كان" ليست سوى افتراضات، والمحاولات الحثيثة لمعرفة هويته تذهب دوماً أدراج الرياح، ويبقى هو بعيداً جدا عن متناول الأيدي رغم أنه مازال يمارس أعماله بكل همّة ونشاط، متجاهلاً كل التهديدات التي تعِدُ بالإمساك به وعقابه أشد العقاب نتيجة لما اقترف بحق ضحاياه!

مكانان فقط لم يتم البحث فيهما عن ذلك "الكائن من كان": ضمائر المسؤولين... وأرصدة حساباتهم!