المستقبل يشغل بالي

نشر في 06-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 06-09-2014 | 00:01
No Image Caption
الوقت مفهوم متطور جداً بالنسبة إلى الإنسان كي يتمكن من تفادي التغييرات التي تطرأ على العالم. لكن هذا المفهوم يتيح لنا تقسيم حياتنا إلى مراحل عدة. ومع أن المستقبل يعتمد على مجموعة من التوقعات فحسب، يثير في كل منا مجموعة مختلفة من المشاعر والعواطف.
يتبع الوقت اتجاهاً محدداً: يسير من الماضي نحو المستقبل. وبفضل الشعور العميق بالاستمرارية، يستطيع الإنسان العمل، التذكر، التخيل، والتأمل... تتجلى علاقة الإنسان المعقدة بالوقت من خلال اللغة: نلاحظ أن بعض اللغات البدائية لا تحتوي الكثير من الكلمات التي تشير إلى الوقت وتقتصر تعابيرها على الماضي أو الحاضر.

على سبيل المثال، اعتبرت شعوب بلاد ما بين النهرين المستقبل «في الخلف» والماضي المعروف «في الأمام». ولكن عندما أعربت الشعوب عن اهتمام بالمستقبل، تبدّل هذا الترتيب: فصرنا ننتظر الوقت الذي يحمل إلينا اللحظة التالية. ولا شك في أن هذا يعكس العلاقة المعقدة بين الوقت والحركة. لكن بساطة هذه العلاقة تتبدد بسرعة. بات الإنسان اليوم يحاول التلاعب بالوقت، وهذا ما تُظهره عبارات مثل «تضييع الوقت» أو «خذ وقتك».

بالإضافة إلى ذلك، نخطئ عندما نربط الوقت بالمكان: فنحاول التأثير في سهم وقتنا، تشويهه، إبطاءه، وعكسه. إلا أن الوقت يبقى ثابتاً، رغم كل محاولاتنا هذه. كذلك نسعى عادةً إلى قياس كمية الوقت، بيد أن هذا المفهوم خاطئ، أيضاً، لأن الإنسان يعجز عن ذلك. وهنا ينشأ سؤال مهم: ما هي الطريقة «الحقيقية» التي يمكننا من خلالها احتساب الوقت؟ وقفت أجيال من المفكرين عاجزة أمام هذا السؤال. ولم يتوصل الإنسان، حتى اليوم، إلى الإجابة عنه، رغم كل ما حققه من تطور وتقدّم. فيبدو أن وقت الحقيقة الجلية التي تحدد طبيعة الوقت لم يحن بعد.

فلسفة الوقت

يشكّل الوقت الراهن امتداداً للحاضر في سلسلة متلاحقة من الزمن, ما يعني أنه مرتبط بحاضر منته. نتيجة لذلك، يكون الحاضر أمراً مجرداً لأن لا أحد يعيش حاضراً صافياً. ويمثّل الماضي تراكم أو تلاحق الأوقات السابقة وفق رابط زمني. أما الحاضر، فهو مجموعة اللحظات المقبلة.

المستقبل رمز المحدودية

قد تلاحظ أن أشخاصاً كثراً  يخشون المستقبل. ويعود ذلك إلى أنه يذكرهم بمحدوديتهم. تشير المحدودية إلى ما له نهاية في مرحلة ما من الزمن. لكن هذا ليس معناها الوحيد والأهم. تُستعمل هذه الكلمة لوصف «الفناء» أو حالة البشر الذين لا يستطيعون الهرب من الموت مهما حاولوا. يرتبط هذا المفهوم بإدراكنا مدى هشاشة وجودنا.

الخوف من المستقبل: يسأل غابريال لارو: «أوليس الخوف من الألم والخوف من المستقبل مرتبطين؟». وإذا تأملنا جيداً في الخوف من المستقبل ندرك أننا نخشى هذا الأخير بطرق ثلاث مختلفة.

الخوف من الموت: الخوف من الموت قاسم مشترك بين البشر منذ بداية الخليقة، حتى بعض الحيوانات تشاركنا فيه، مع أنها لا تعي ذلك. يكفي أن نراجع كتابات كبار الفلاسفة والأدباء، مثل إبيقور، لندرك أن الخوف من الموت لطالما كان جزءاً من جوهر الوجود البشري.

الخوف من الغد: يُعتبر الخوف من المستقبل القريب ومما تخبئه لنا الأيام المقبلة الأكثر انتشاراً في مجتمعنا، الذي يعيش في حالة من التوتر الدائم. ففي هذه المرحلة التي نشعر فيها أن كل ما حولنا يمرّ بسرعة، نواجه ضغوطاً ونظن أننا ما عدنا نستطيع السيطرة على مستقبلنا القريب. فمع كل هذه المخاوف الاجتماعية والشخصية، يبدو لنا هذا المستقبل مقلقاً وقاتماً.

الخوف من المجهول: يشكّل هذا الخوف من المستقبل بمعناه العريض. يرتبط هذا الخوف ارتباطاً قوياً بمجتمعاتنا العصرية المتطورة. ولعل أبرز الأدلة على هذا الخوف الدراسات والنظريات التي كثرت في الآونة الأخيرة حول أخلاقيات المستقبل. ومن هذا المنطلق، يبدو المستقبل بالنسبة إلى البعض مقلقاً، لا بل مأساوياً.

إذاً، إن كان المستقبل يشغل بالك، فاعرف أنك لست الوحيد الذي يواجه هذه المشكلة. فهذا الخوف جزء لا يتجزأ من مجتمعنا.

back to top