هل سقط الجدار حقاً؟
يُستخدَم الجدار للحماية عادة، وبالتالي فإن أشهر الجُدُر والأسوار، قد بنتها الدول والمجتمعات لحماية نفسها من عدو خارجي، كما استُخدِم الجدار لعزل مجتمع عن مجتمع آخر، بدوافع خوف أو عنصرية، كجدار العزل العنصري في فلسطين، المدان دولياً.غير أن الجدار الأكثر رمزية، سواء حين بُنِي أو حين سقط، هو جدار برلين، وهو الجدار الذي فصل بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وشق العاصمة برلين إلى شقين، والذي حلت الذكرى الـ25 لسقوطه قبل أيام، وتحديداً في 29 أكتوبر.
يؤرخ البعض لسقوط ذلك الجدار بنهاية الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفياتي، ونشوء نظام دولي جديد، المفترض قيامه على مفاهيم وأسس أكثر عدالة، فلا نظام جديد قد قام ولا عدالة تأسست. حاول المحاولون أن يجعلوا من قصة سقوط الجدار أمراً "أسطورياً"، وصوّروه على أنه ثورة قام بها "المحبوسون" "المضطهدون" في الشرق الألماني ليتجهوا إلى الجدار ويحطموه قطعةً قطعة، بل إنني في إحدى زياراتي القليلة لبرلين، رأيتهم يبيعون قطع ذلك الجدار المهشمة على أنها تذكار "لأسطورة شعبية". حقيقة الأمر كانت أبسط من ذلك، حيث لم تتجاوز إعلان السلطات الألمانية الشرقية إنهاءها الحظر المفروض على عبور مواطنيها إلى الشطر الغربي، فاندفع الآلاف إلى الجدار للعبور، ولما لم تسعهم البوابات، تسلقوا الجدار، وتم تصوير ذلك خطأً على أنه تحطيم للرمز.وهكذا كان ذلك الحدث أقل رومانسية مما أشيع... بالطبع أنهت نتائج ذلك الفعل الرمزي، وبغض النظر عن التفاصيل ودقتها، نظاماً دولياً قاسياً، كان الأمل أن يحل محله نظام دولي أكثر عدالة وانسجاماً مع تطلعات الناس إلى المساواة واحترام كرامة الإنسان، وإنهاء أي جدار يقف في وجه التعايش السلمي وقبول الآخر والاقتراب من قيم العدالة أكثر.فها نحن اليوم، وبعد مضي 25 عاماً، نراوح في ذات المكان، بل عدنا إلى الوراء أكثر، وبنينا أسواراً جديدة من الاستلاب والهيمنة والتسلط والتعدي على البشر الضعفاء والمهمشين، وتزايدت معدلات الفقر والتسلح غير المبرر، وأنشأنا جداراً جديداً أكثر منعة وعلواً، بدلاً من ذلك الذي سقط، ومازال منطق القوة الماحقة هو الذي يسود العالم، ويبدو أن أسوار التسلط والكراهية والتمييز هي حالة ذهنية أكثر من أن تكون مجرد مبانٍ وكيانات أسمنتية.