حشد شعبي... أم تطهير عرقي!
ثمة من يجادل ويسخر من التحليلات التي تؤكد أن ما يسمى بـ«داعش» هي حاجة أو مطلب لثلاث جهات معلومة هي: إيران وأذرعها المعروفة في لبنان والعراق، ونظام الأسد في سورية، وأميركا وتابعتها إسرائيل أو العكس.وها هي الأيام تثبت أن هؤلاء الهمج الداعشيين يحققون أهداف تلك الجهات كما تريد وتبتغي لمن يتابع الأحداث، المخفي والمسكوت عنها، تحت واجهة إعدام داعش لرهينة أجنبي، أو قوائم بيع الجواري والسبايا أو رجم زانية وزانٍ، وهي أخبار لافتة للعامة.
لكن الحدث الحقيقي ما تقوم به ما يطلق عليها قوات «الحشد الشعبي» العراقية، وهي ميليشيا رسمية ذات طابع طائفي شيعي، شكلت لمحاربة «داعش» على إثر استيلائها على مدينة الموصل! هذه الميليشيا تقوم بأفعال شنيعة تتمثل بتفجير بيوت العرب السنة ومساجدهم وترحيلهم في عملية تطهير عرقي كبرى في العراق، كان أشدها في محافظة ديالى التي خلت تقريباً من السُنة الذين هربوا بعد العمليات الفظيعة التي شهدتها منطقتا جلولاء والسعدية بصفة خاصة. وهناك معلومات أن هذه الميليشيا تحظى بدعم جوي من الطيران الأميركي خلال عملياته التي تهدف إلى محاربة داعش، إضافة إلى اكتشاف 50 ألف اسم وهمي في الجيش العراقي هو هراء فهي أسماء فعلية في الميليشيات الطائفية، ولم تكن تحت إمرة الجيش العراقي المختلط مذهبياً، والتي كانت تدرب وتنسق عملياتها مع الحرس الثوري الإيراني، فلا يمكن أن يكون هذا العدد يقبض رواتبه دون علم الحكومة والأميركان الذين يحصون أنفاس وتحركات الجيش العراقي.وهنا نتساءل: لمصلحة من كان تكوين داعش ونقل معظم قياداته من أفغانستان، عبر محطة الترانزيت في إيران بعد حرب أميركا على القاعدة هناك في 2001؟ كل الفوائد تصب في مصلحة أطراف محددة، فنظام الأسد بقي في كانتونه، في ما تولى همج داعش مقاتلة المعارضة السورية وتدميرها وجعل السوريين في المناطق المحررة يتمنون أن يعود النظام المركزي في دمشق ليبسط نفوذه عليهم لتعود الحياة المدنية والأمن فيها، وكذلك حزب الله اللبناني الذي يعيد مشاهد أفعال الدواعش الفظيعة تجاه مسيحيي الموصل والعراق كله ليكسب التأييد المسيحي اللبناني لهيمنته على الدولة وجرها إلى دعم تدخله وجرائمه ضد الشعب السوري.بينما الكاسب الأكبر من كل ذلك هو إيران التي تحقق أهدافها في جوارها الجغرافي والإقليمي بكل سهولة، دون أن يدق أبوابها أي تهديد حقيقي من تلك الحركات السلفية الهمجية، بينما السعودية والخليجيون في حالة «حيص بيص» مزمنة، أما أميركا وإسرائيل فهما ضمن خطتهم الواضحة، فإسرائيل ترى في العراق، بحكم ذي طابع شيعي مطلباً ملحاً لها لأنه سيمثل أقلية ضمن محيطه من الأغلبية السنية ستجعله في حالة استنفار دائم وقتال، تخرجه من معادلة التهديد للكيان اليهودي، كما أنه، كما يعتقد الإسرائيليون أنه لا توجد أقلية تقاتل أقلية أخرى إذا كان عدوهما مشتركاً، أما الأميركان فيرون في العراق الشيعي مشروع استنزاف وقتال دائم للعرب السنة الذين يمثل متطرفوهم تهديداً لهم منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ولذلك فإن تمزيق سورية وقصف المدنيين من نظام الأسد وكيماوي ريف دمشق هي مشاهد مشوقة للرئيس باراك أوباما وإدارته والمجتمع الدولي الذي لن يسعى أبداً إلى إيقافها.وفي وسط كل ذلك نقف نحن العرب في حالة «بلاهة تاريخية» لا أعلم متى سنفيق منها؟ ومازلنا نتحدث عن التقريب بين المذاهب والدولة المدنية التي تجمع كل إنسان على امتداد الرقعة العربية، ولكن على أرض الواقع أصبحنا أكثر تخلفاً وتمترساً خلف انتماءاتنا التي تؤدي إلى الكوارث التي تحدث في العراق وسورية، والتي ستمتد بلاشك لنا جميعاً إن لم نعِ ما يحدث من حولنا ولم نتصدَّ لهُ.