إن اقتراح المستشار الجديد لم يقدم حلا لأي مشكلة في الرواتب، وقد يكون استجاب لرغبة نيابية لزيادة من لم يحصلوا على زيادة كافية في السابق، فكان اتجاهه نحو هؤلاء، ولم يلتفت إلى المشكلة الكبرى، ومشكلة الكوادر الكثيرة الحالية يمكن الوصول إلى حلول لتقليصها لتحسن السيطرة عليها وإدارتها.
حسنا فعل المكتب الاستشاري الأميركي TICG الذي تستثمر فيه الهيئة العامة للاستثمار، وهو متفرع من إحدى شركات مارش مكلينان وسيط التأمين المعروف، بالابتعاد عن تسمية البديل الاستراتيجي واستبداله بعنوان "نظام محسن لرواتب القطاع العام"، فقد خلصنا من تسمية مضللة ألصقها الديوان بمشروعه لمدة خمسة أعوام أو يزيد بدون أي دليل على استراتيجيته. وقد بذل المكتب جهدا كبيرا في تحليل الأرقام، ورصد المسميات الوظيفية كوسيلة للوصول إلى هذا النظام، لكنه للأسف اتبع أقصر الطرق، ووضع فرضيات غير دقيقة للخروج بنتائج مرضية لأعضاء مجلس الأمة والمظلومين في الوضع الحالي دون التأكد من إمكانية التطبيق وقيمة النتائج ودقتها وتأثيراتها المستقبلية.أعتقد أن ضغط المسؤولين للوصول إلى حل سريع كان سبباً في الخلل الذي جاءت به النتائج، وفيما يلي تحليل أولي للدراسة وتعليق على ما جاء فيها، والأهم ما لم تأت به الدراسة، وهو الهدف الأساسي لأي نظام جديد للرواتب:1- اختار المستشار التصنيف المهني لمنظمة العمل الدولية أساسا لتحديد مجموعات المهن الخاضعة للنظام المحسن للرواتب بافتراض أنه لم يطلع على تصنيف مهني للكويت، وهو افتراض غير دقيق، كما لم يتم الالتزام بالتصنيف الدولي أصلا، ووضع نظاما يناسب المسميات الوظيفية في الكويت على علاتها.إن الاعتماد على مسميات الوظائف والأوصاف الحالية لها يهدم أي بناء تم عليه، وقد كان هذا واضحاً في النماذج التي اختارها مثل مسميات وظيفة المحاسب؛ هذه التسميات، وهي كثيرة في كل جهة حكومية، لا تعكس مهام الوظيفة وقيمتها، إنما اختلقت ولا أساس لها، ولو بحثت الوظيفة على الطبيعة لاكتشف الباحث أن كثيراً منها لا يوجد أصلا أو يقوم شاغلها بمهام أخرى، أما التوصيف الحالي فإنه يفتقر للدقة ولا يعبر عن الوظيفة الحقيقية، كما وجدنا حين كُلفنا بمراجعته.٢- قسّم المهن إلى 9 مجموعات، شمل بها معظم قطاعات العمل العام، سواء كانت حكومية أو تابعة للدولة، وخرج من هذه المجموعات بجداول للرواتب لثلاث وخمسين مهنة (في فصل من التقرير قال إنها 62 مهنة)، وبذلك فإنه أنشأ 53 كادراً بدل الخمسين الحالية، بخلط الوظيفة العامة بوظائف الهيئات والمؤسسات والشركات التابعة للحكومة، وهذا الخلط أثار وسيثير ردود فعل غاضبة من كل القطاعات، وإن جداول المرتبات الجديدة بالتصنيف والتقسيم الذي وضعه المكتب الاستشاري تثير الكثير من التساؤلات حول جدية هذا التقسيم وقيمته، واختيار المسميات تحت كل مهنة.٣- اختار معادلة رياضية للوصول إلى مفارقات الراتب وتحديد الأطراف التي حرمت من زيادة المرتبات، وبنى على أساسه سلم رواتب جديدة لكل مهنة، وهو حل لا يصل إلى عمق مشكلة الوظيفة العامة، ولا حل لتفاوت الرواتب وأسبابها. وإن فروق الرواتب قد تكون بسبب مدة الخدمة أو مؤهلات الموظف أو لسوء أداء، فكيف نسعى إلى زيادة الراتب دون معرفة الأسباب.٤- اقترح دمج البدلات وهي كثيرة ومتنوعة (300 بدل حسب تقرير البنك الدولي)، واستبدالها بـ3 بدلات وظيفية وبدل واحد اجتماعي، (اقترح تحويل الأخير لوزارة الشؤون الاجتماعية)، ولم تبين الدراسة كيف يتم الدمج والتعويض أو النظر في جدية هذه البدلات وأحقيتها وعلى أي أساس.٥- لم يطرح حلولا لمشكلة فروق رواتب الكوادر الحالية، إنما تركها للزمن وافترض أن الموظف الجديد سيقبل براتب ونظام للمكافأة مختلف عن نظرائه في مكان العمل وفي الوظيفة نفسها.6- رغم افتراضها زيادة بند المرتبات بالميزانية بنصف مليار دينار فإنها سوقت لفكرة توفير ثلاثة مليارات دينار نتيجة تطبيق المقترح. ربما قُصد بذلك انخفاض تكلفة المعينين الجدد على مدى السنين.7- اقترح مستوى جديداً 10% للمتفوقين يضاف إلى مستويات الأداء أخذت نسبته من المتميزين، وأصبحت نسبة المتميزين 70% بدلا من 80%، وسواء هذا أو ذاك فإن التطبيق للأسف لا يعطي أي أهمية للأداء، ويتم التقييم بمزاجية وبدون أساس أو نظام جاد. في بعض مؤسسات الدولة يصل المتميزون إلى أكثر من 90%، ولو أضيفت نسبة المتفوقين فإنهم سيصلون إلى هذه النسبة. الاقتراح شكلي وغير مدروس وأساسه بيانات الحكومة لنظام تقييم الأداء الحالي، ولو كان صحيحا أن نسبة المتميزين تصل إلى 80% لكانت الكويت في حال غير الحال.في رأيي المتواضع:أن النظام المقترح رغم الإحصاءات المفيدة التي قدمها لم يطرح حلا مفيداً لمشكلة الرواتب في الكويت، ولم يصل إلى عمق المشكلة الإدارية التي تعوق تقدم الكويت، وفي مقدمتها مشكلة الوظيفة العامة. الكل متفق أن الوظيفة العامة بحاجة إلى نهضة ونفضة وتطوير لنرتقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة، وزيادة الرواتب ليست الهدف الأول هنا.إن الدول المتقدمة تسعى دائما إلى مراجعة وظائفها، وتناقش ممثلي العاملين في كل مرة يتقدمون فيها بمطالب لزيادة رواتبهم؛ لزيادة الإنتاج أو تطوير الخدمة أو زيادة بعض الأعباء أو النظم مقابل أي زيادة في الرواتب، فنحن نزيد ونزيد بدون دراسة وبدون مقابل؛ حتى تهلهلت الوظيفة العامة، وتأخر أداء الحكومة وساءت الخدمات العامة.إن اقتراح المستشار الجديد لم يقدم حلا لأي مشكلة في الرواتب، وقد يكون استجاب لرغبة نيابية لزيادة من لم يحصلوا على زيادة كافية في السابق، فكان اتجاهه نحو هؤلاء، ولم يلتفت إلى المشكلة الكبرى، ومشكلة الكوادر الكثيرة الحالية يمكن الوصول إلى حلول لتقليصها لتحسن السيطرة عليها وإدارتها، كما أن إدخال الشركات النفطية في عملية التوحيد مخالف لطبيعة هذه الشركات ونظمها حتى لو كانت مملوكة للدولة، ومعالجة الزيادات الكبيرة التي حصلت عليها الشركات لا تكون بوضعها تحت مظلة هذا التقسيم أو تحت سيطرة ديوان الخدمة المدنية.
مقالات
نظام محسن لرواتب القطاع العام (البديل الاستراتيجي سابقاً)
19-05-2015