الخطر والجنون يحيطان بنا من كل صوب، جز الرقاب وحرق الأحياء، ودك بيوت البشر على رؤوسهم، جيوش عربية مزقت وانتهت، وطائفة من العرب التحقت بتحالف يستهدف طائفة بعينها تحت شعارات ملتبسة، ومجانين يدعون أنهم يمثلون الإسلام بعد أن قرر بعض زعمائنا قبل أربعة عقود رعاية فتح تراث مليء بالتناقضات والفتاوى المنحرفة بعد أن نحّوا جانباً كل دعوات التنوير وتجديد الخطاب الديني وعصرنته، وفشل كل محاولات الإصلاح والديمقراطية، فوقع الفأس بالرأس، واستغل أعداؤنا وحلفاؤنا الذين انقلبوا علينا واقعنا بذكاء لتمزيق منطقتنا وإدخالنا لعقود مقبلة في حالة من الاقتتال بثقافة جز الرقاب والسبي.    

Ad

الأحداث تثبت يوماً بعد يوم أن هناك أيادي خفية تلعب باقتدار في المنطقة، فها هي إيطاليا تعلن منذ أيام رغبتها بتزعم تحالف للتدخل في ليبيا لمحاربة المتطرفين، فتقوم خلية مما يسمى بـ"داعش" بعد أيام قليلة بذبح 21 مصرياً قبطياً بشكل وحشي فتسرع الأمم المتحدة في إجراءاتها وتطلب جلسة لمجلس الأمن لبحث التدخل العسكري الدولي في ليبيا، وبنفس السياق تتوالى الأحداث في سيناء والعراق وسورية في محاربة هذه الفصائل للثوار السوريين وترك جيش النظام السوري، وترويع وقتل العرب السنة في غرب العراق واستدعاء القوة الجوية الدولية لقصف مناطقهم وتدمير قراهم ومدنهم حتى يتم انتزاعهم من موطنهم وتهجيرهم.

المحصلة الآن أن جيشي العراق وسورية دمرا، والجيش الأردني يستنزف، ومصر تتوالى المحاولات لإشغال جيشها وخلخلته على جناحي سيناء وليبيا وكذلك في الداخل، واليمن سيشغل مصر أيضاً من البحر عبر باب المندب، وكذلك دول الخليج العربي مستقبلاً عبر البر من خلال حدودها مع المملكة العربية السعودية.

الوضع يكتمل لدمار المنطقة وجميع مؤسساتنا العربية من جامعة عربية وأمثالها في وضع شبه مشلول، بسبب تهاون بعض الدول العربية وتواطؤ البعض الآخر، وسلب قرار ثلاث دول عربية على الأقل من قبل إيران التي يحقق مشروعها القومي تقدماً واضحاً.

ذلك الوضع المزري، لا يمكن أن يجعلنا نستسلم أو نستمع إلى قصيري النظر الذين يطالبون من كل دولة عربية أن تنشغل بوضعها الداخلي، وتتجاهل ما يحدث حولها من حريق يقترب منها، فمسؤوليتنا تجاه أوطاننا وأبنائنا تقتضي أن نبحث عن درع يحمينا مما يحدث ويحاك لنا لاحقاً، وفي هذا السياق فإن العقل والاطلاع على ما يجري يقولان إن هناك بديلاً واحداً للمنظومة العربية المتهاوية، وهو محور إقليمي يرتكز على أنقرة، ويمتد عبر الرياض والقاهرة.

فتركيا بنظامها السياسي الحالي رغم مظهره الديني فهو في صلبه نظام حداثي براغماتي يسعى إلى إحياء تراث تركيا القومي الذي لم يرتكز على الدين، وذلك رداً على الإهانة التي تلقتها من الأوروبيين الذين رفضوا انضمامها إليهم، وقد نجح الأتراك كأمة في تحقيق إنجاز تنموي - اقتصادي ضخم وجه صفعة إلى أوروبا التي تسعى الآن إلى شراكتها في جميع الأنشطة الاقتصادية، إضافة إلى الثقل السكاني والجغرافي، ولتلك الأسباب فإن أنقرة هي القوة القادرة على أن تُكوّن جبهة مع قطبي المشرق العربي؛ القاهرة والرياض.

ولذلك فإن السعي لمصالحة القاهرة وأنقرة وجلوس النظامين للحوار وإصلاح ذات البين غاية استراتيجية تمثل لنا مسألة بقاء وحياة، ويجب ألا تستنزف الجهود في موضوع الخلاف والصراع حول موضوع "الإخوان المسلمين" الذين ستبتلعهم التنظيمات المتطرفة، وسيكونون تبعاً لها باستثتاء فرعهم التركي الذي تواءم مع النظام العلماني والدولة المدنية ونصرة قوميته التركية، وبخلاف ذلك فإننا نسير إلى الهاوية عبر اكتمال المخطط الذي تستخدم فيه عدة أدوات، من أهمها التنظيمات الجهادية السلفية المتوحشة لتدمير المشرق العربي وإلحاقه بقوتين إقليميتين هما إيران وإسرائيل.