لم ينشغل رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته نوري المالكي، بشيء قدر انشغاله، طوال سنوات، بتحييد خصومه الذين يفوقونه تأهيلاً وخبرة، وبخاصة رئيس الحكومة الأسبق أياد علاوي زعيم "القائمة الوطنية"، وأحمد الجلبي زعيم "المؤتمر الوطني"، وعادل عبدالمهدي القيادي البارز في "المجلس الإسلامي الأعلى".

Ad

ورغم كل الجهود التي بذلها المالكي، فإنه فشل في وضع حد لحياتهم السياسية، وها هم يبعثون من جديد في صيغة قوية يراد منها تطويق حزب "الدعوة" ورئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي الذي ينتمي إليه، بوزراء من طراز هذا "الثلاثي البغدادي" الذي يوصف بأنه "بقايا الأرستقراطية" التي سادت العهد الملكي.

الثلاثة ينحدرون من عوائل كانت لديها مساهمة في الحياة السياسية خلال العهد الملكي، درسوا معاً في المؤسسات التعليمية الأميركية التي كانت تعمل ببغداد في الخمسينيات، ولدى كل منهم علاقات دولية متميزة، ونجحوا خاصة في العامين الأخيرين، في صناعة موقف احتجاجي معارض للمالكي، ووضع خطة إصلاح سياسي، ونسقوا المواقف مع الأكراد والسُّنة.

وفي اللحظات التي كان خلالها المالكي يخرب العلاقات مع المحيط الإقليمي، ظل هؤلاء يحاولون تخفيف الاحتقان ويبشرون بتصالح إقليمي يخدم مصالح العراق والمنطقة، ما أغاظ المالكي وجعله يفقد رباطة جأشه في أكثر من مناسبة.

وبينما يتوارى المالكي الآن، فإن خصومه الثلاثة، الأكثر حكمة وخبرة، يعودون بقوة. والمصادر المحلية تتحدث عن مناصب مهمة سيحوزها علاوي والجلبي وعبدالمهدي، بحيث إن حيدر العبادي سيضطر أن يدير تشكيلة وزارية فيها ساسة الصف الأول، بثقلهم وخبرتهم وقدرتهم على الاعتراض، وهو ما يعني أن رئيس وزراء حزب "الدعوة" سيعجز عن بناء نفوذ متغول داخل الحكومة.

والأكثر أهمية من هذا أن الثلاثة برهنوا، وخصوصاً في أزمات العراق الأخيرة، على امتلاكهم مهارات تفاوضية جيدة يفتقدها المالكي، كما أن الأطراف العراقية التي لا تثق بحزب "الدعوة"، تعد هؤلاء الثلاثة طرفاً موثوقاً يمكن العمل معه ومحاورته والاعتماد على التزاماته.

ويلقي هذا التطور ضوءاً على حجم الاستعدادات التي يقوم بها الشيعة، لخوض حوار عميق وجدي مع باقي الأطراف العراقية، مهمته الكبرى توحيد الجهود لمواجهة خطر تنظيم "داعش" الذي يسيطر على ثلث مساحة البلاد، لاسيما أن المجتمع الدولي يبلور المزيد من مواقف الدعم لبغداد، مشترطاً أن يرى تسوية للخلافات واستعادة للتهدئة.

وكل هذه المواقف جعلت الاعتدال الشيعي يقتنع بأن عليه اتخاذ قرارات تصالحية صعبة، في ما يتصل برفع قيود عن البعثيين وإصدار عفو خاص وعام عن آلاف المعتقلين، والحوار مع الفصائل المسلحة السنية ومعارضي النظام السياسي، وهو ما يبدو أنه أوكل إلى أياد علاوي الذي يفترض أن يكون نائب رئيس الجمهورية ومسؤولاً عن ملف المصالحة، بما لديه من علاقات وقبول يحظى به وسط كثير من المعارضين السُّنة وحتى من حملوا السلاح ضد حكومة المالكي.

المشاكل التي تعترض تشكيلة العبادي كثيرة قد تؤخر إعلانها، الذي تأجل بالفعل ثلاث مرات منذ الأربعاء، لكن ضمانات التغيير السياسي وملامحه، تتكشف تدريجياً داخل تفاصيل الوزارة، وتقوم بتحجيم دور حزب "الدعوة" الذي يبدو أنه يتعرض لعقوبة قاسية، نتيجة محاولته التخلص من خصومه وإخضاع شركائه.