تنبأ كثيرون في نهايات القرن الماضي بأن القرن الحادي والعشرين سيكون مليئاً بالأصولية وتصاعد الأطراف المتصارعة، منذ مقولة هنتنغتون حول صراع الحضارات، إلى تحذير هابرماس بأن الحالة الأصولية ستكون عقبة أمام التواصل، وصولاً إلى المؤرخ الكبير إريك هوبزباوم حين ختم مشروعه الكبير بكتابه: "عصر التطرفات"، والذي تضمن في خاتمته الحديث عن زمن الأصولية، وأن هذا المنتج الأصولي قد يكون ظاهرة جماهيرية.

Ad

كل هذا التحذير كان مبكراً، وقد بلغت هذه النبوءات ذروتها تحليلاً ونقداً واستعادةً مع حدثين اثنين، أحدهما حرب الخليج عام 1990 حين عادت الأصولية منتجةً نفسها ضمن تنويعاتٍ عديدة، ورجع الحديث عن ذروة هذا المد في أحداث 11 سبتمبر 2001.

بنفس مستوى نمو الأصوليات وأفرعها تعود حالة "الطائفية" بوصفها منتجاً ضمن مكائن الأصولية وأدوارها، وقد شكّلت الأحداث الطائفية عنواناً للتفجيرات التي بدأت بالعراق منذ عام 2003 وإلى اليوم، إذ لا تكاد تمر بضعة أيامٍ إلا على تفجيرٍ في مكانٍ له ثيمة طائفية.

نفس الأمر حدث في باكستان ولبنان، وتعود الأصولية في سورية حيث الأطراف المتصارعة ومحاولات تحويل النزاع الدائر إلى معركة بين السنة والشيعة والعلويين وهي أطراف متناحرة، بمعنى أننا أمام خطر حقيقي يمكن أن يدشن من خلاله فترة عصيبة يمكنني أن أصفها بـ"زمن الطائفية".

زمن الطائفية قد يسيطر ويهيمن، وهناك محاولات للتجييش، وقد كان لمجزرة "الدالوة" في الأحساء أكبر الأثر في إعادة سؤال الموضوع الطائفي. هناك جزء كبير من المجتمع السعودي يتمذهب بمذاهب غير السنة أو السلفية مثل الشيعة والإسماعيلية والصوفية وسواها، هذه الطوائف لها الحق في أن تمارس عباداتها كما تشاء وهذا حق كفل لهم منذ الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، والآن مع بدء الدولة السعودية الثالثة على عهد المؤسس عبدالعزيز كان الحق محفوظاً بوصفهم مكوناً أساسياً في هذه البلاد، ولهم الحق التام والمطلق في ممارسة الشعائر.

يقول الملك عبدالعزيز: "هذا الأحساء، عندنا هناك أكثر من 30 ألفاً من أهل الشيعة، وهم يعيشون آمنين لا يتعرض لهم أحد"، وأرسى هذه الدعامة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أعطى الشيعة أهمية واهتماماً لجهة الاحتياجات والطلبات، وهذه بدهية من البدهيات لا ينكرها أحد من الشيعة مطلقاً. إن المحاولات الجارية حالياً من رموز التطرف هي أن تكون الطائفية السلاح الذي يفرقون به المجتمع ليسود رأيهم!

لقد مارس الصحويون تجييشاً ضد الطائفة الشيعية، نقرأ لرمزٍ منهم كتاباً خصه لخطر الشيعة على بلاد التوحيد، وأعني به ناصر العمر، الذي قال في فتوى له: "إذا ثبت لديك أن الشخص الذي تتعامل معه باطني أو رافضي، ولكنه أظهر الإسلام ولم يُعلن بدعته وباطله فيعامل معاملة المنافقين، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع المنافقين على حسب ظواهرهم ويَكِلُ سرائرهم إلى الله، ولكن لا يولّون الولايات العامة".

يجب أن نكف عن التنابز ووصف الشيعة بأنهم رافضة، وكذلك أن يكف الشيعة عن وصف السنة بالنواصب، فالتعايش هو الشعار لئلا نجعل الأصولية تنجح في قيادة مجتمعاتنا إلى "زمن الطائفية" المخيف، ولعمري إنها لمرحلة كارثية إن لم نفعّل القرارات والقوانين لتجريم الطائفية من جميع الأطراف مهما كانت.