مع اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتحوُّل المواطنين ضد سياسة الهجرة المفتوحة التي تبنتها سنغافورة منذ زمن طويل، فإنهاتواجه أسئلة صريحة تتعلق بهويتها، حيث كان نجاح «لي كوان يو» في الفترة المبكرة يقوم على مجموعة فريدة من العوامل.

Ad

لم أتمكن من إحداث انطباع مؤثر لدى لي كوان يو عندما التقيته لأول مرة قبل عقد من الزمن، وكان ذلك في ديسمبر من سنة 2004 في بانكوك حيث كان يلقي كلمة جادل فيها في أن الاشاعات التي تحدثت عن هبوط أميركا كانت سابقة لأوانها، يومها قال إن أميركا تمثل أكثر اقتصادات العالم ديناميكية، وسوف تستمر على هذا الحال لسنوات عديدة مقبلة، بعدها عندما سألت مؤسس سنغافورة ما إذا كان متفائلاً جداً ازاء أميركا في ضوء صعود الصين رد بإيجاب.

وسألني: "لمَ أنت أميركي سيئ بهذا القدر؟"، وذلك قبل أن يحدثني عن آلية التنافس في عالم سريع التغير. واليوم ومع غياب لي كوان يو عن المسرح تدهشني المفارقة في ذلك الحوار. وقد جاء دور سنغافورة الآن لمواجهة أسئلة حول ما إذا كانت لا تزال قادرة على المنافسة مع تحديات آسيا الناشئة للاقتصاد المؤثر الذي بناه لي كوان يو.

ومع اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتحول المواطنين ضد سياسة الهجرة المفتوحة التي تبنتها سنغافورة منذ زمن طويل فهي تواجه أسئلة صريحة تتعلق بهويتها، وكان نجاح لي في الفترة المبكرة يقوم على مجموعة فريدة من العوامل، وبينما كانت "نمور" آسيا في هونغ كونغ وكوريا الجنوبية وتايوان تعتمد على مكاسب الانتاجية من أجل دفع النمو خصصت سنغافورة التوفير الداخلي، ودفعت السكان نحو وظائف معتدلة الأجر، وفي حين كانت النتائج دراماتيكية فإن النموذج الذي قارنه بول كراغمان ذات مرة بالاتحاد السوفياتي الستاليني قد انتهى بشكل واضح.

والسؤال الآن هو: ما الذي يتعين أن يكون عليه النموذج الجديد، ومن أجل محافظة سنغافورة على مركزها كدولة ذات أعلى ناتج محلي اجمالي للفرد في آسيا يتعين عليها الحفاظ على نمو قوي في الانتاجية لدعم الأجور المرتفعة بصورة ثابتة، فيما تحد من تكلفة العمل. وبحسب الاقتصادي راجيف بيسواز في غلوبال انسايت فإن "نجاح سنغافورة في المستقبل سوف يعتمد على التحول المستمر في الاقتصاد نحو صناعات عالية القيمة المضافة".

وقد حققت جهود ابن لي وهو رئيس الوزراء لي هسين لونغ الرامية الى رفع تنافسية سنغافورة نتائج مختلطة، وقبل خمس سنوات شرعت الحكومة في جهد لعشر سنوات وبمبلغ يقدر بحوالي 2.6 مليار دولار من أجل تحسين الانتاجية، وبدلاً من التقدم نحو المستوى المستهدف البالغ 2 في المئة الى 3 في المئة بلغ متوسط كفاءة انتاجية العامل حوالي 0.5 في المئة خلال الفصول الأخيرة.

أين يكمن النقص؟ في المستوى والتركيز والجرأة، والتحول الحقيقي سوف يتطلب توفير أسلوب مستهدف بقدر أكبر، ومع تقديم حسم نقدي الى شركات تعرض حواسيب حضن جديدة وأجهزة آي باد الى عمال فإن تلك الخطوة لن تنجز أي شيء، وحتى حسابات الناتج المحلي الاجمالي مقسمة على القوة العاملة كانت خطأ. ويتعين على سنغافورة استخدام مؤشرات أكثر دقة مثل مبيعات القدم المربع الواحد من مساحة التجزئة أو تقدم القدم المربع الواحد للشخص في اليوم في قطاع البناء.

ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الجرأة. وفي سنة 2010، كشفت الحكومة عن خطط لزيادة انفاق سنغافورة على البحث والتطوير من أقل من 3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الى 3.5 في المئة، وهو معدل يكاد لا يكفي لتحفيز طفرة حديثة العهد. كما أن سنغافورة في حاجة إلى المزيد من المنح الخلاقة للتقدم في عمليات البحث والتطوير في ميادين الصناعة والبرامج والتقنية الحيوية والطاقة والجهود اللوجستية والرعاية الصحية. وفي ضوء الحملات العكسية للهجرة يتعين على سنغافورة الحصول على مزيد من الانتاجية من السكان الذين يبلغ عددهم 5.5 ملايين نسمة، وليس الاعتماد على عمالة جديدة.

وتتمثل احدى الطرق لتحقيق ذلك في تقليص الدور الواسع للشركات المرتبطة بالحكومة التي كانت ضرورية في حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي والتي تسهم الآن في اعاقة الفرص أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

وتعمل جمعية دول جنوب شرق آسيا بنشاط لخفض الحواجز التجارية، والسؤال هو لمَ لا نقدم إلى الشركات الأصغر معاملة تفضيلية من أجل عقد شراكات في الدول المجاورة؟

إن من الواضح أن سبيل سنغافورة للحفاظ على مكاسبها الكبيرة التي حققتها في عهد مؤسسها يكمن في الابتكار والتجديد، وكما تعرف الحكومة جيداً فإن مستقبل البلد يكمن في طرح أفكار مبتكرة وصناعات جديدة.