معالجة ملاحظات ديوان المحاسبة مدخل لإصلاح أكبر... إذا صدقت المساعي

نشر في 06-11-2014 | 00:12
آخر تحديث 06-11-2014 | 00:12
No Image Caption
• تكرارها سنوياً يعطي نموذجاً سيئاً في معالجة الهدر
• الإحالة إلى النيابة يجب أن تكون حقيقية لا مجرد تصريحات إعلامية
تأتي أهمية التعاطي الجدي مع ما رصده ديوان المحاسبة من ملاحظات ومخالفات، اليوم، في أن الحكومة تحاول تسويق ملف إعادة هيكلة دعم السلع والخدمات، وإعادة توجيهها إلى المستحقين، في وقت تراجع سعر برميل النفط الكويتي حسب إغلاق أمس إلى 76.7 دولاراً.

في نوفمبر من العام الماضي، شكّل وزراء المالية والتجارة والمواصلات والأوقاف والتربية لجان تحقيق للنظر في المخالفات التي رصدها ديوان المحاسبة على وزاراتهم والقطاعات التابعة لها، إلا أن معظمها حتى اليوم لم يصدر تقريره أو يحدد الأسباب التي أدت إلى حدوث وتكرار ملاحظات الديوان، باستثناء إحالة وزير المالية 7 مشاريع تابعة للشركة الوطنية للأوفست لوجود شبهات جنائية، في حين لم تعلن أي لجان وزارية أخرى أي نتائج لأعمالها رغم تعهد بعضها بسرعة إنجاز تقريره النهائي ومحاسبة المتجاوزين.

أمس الأول، حث رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك على ضرورة «إحالة أي تجاوزات مالية أو مخالفات أو فساد أو شبهات بالتعدي على أملاك الدولة والمال العام، إلى النيابة مباشرة دون الرجوع إلى مجلس الوزراء»، بعد أن عبر رئيس ديوان المحاسبة عن امتعاضه من أن الديوان «قام بالعمل على تفعيل تقاريره وملاحظاته، ويأسف لأن المردود لم يكن على مستوى الطموح، في حين أن ما طرحه هو مسؤولية الجميع، ومن الأهمية أن تتصدى السلطتان التشريعية والتنفيذية لتفعيل تقارير الديوان، والتي تساعد على الحد من الظواهر السلبية التي تشوب أداء الجهات الحكومية».

ما بين نوفمبر الماضي والجاري تعالت لهجة الاعتراض من ديوان المحاسبة على عدم التفاعل مع ما يطرحه من ملاحظات ومخالفات، إضافة إلى تغير التعامل الحكومي - ولو نظريا - مع مخالفات الديوان، فتطورت اللجان التي شكلها بعض الوزراء بمبادرات فردية، ومعظمها لم يعمل وفق توجه عام من رئيس الوزراء، من المفترض ان ينعكس على الاداء العام رغم ان السوابق في مسألة «التوجه العام» لا تبعث على قدر عال من التفاؤل.

معطيات جديدة

هذا العام يختلف عن غيره في اهمية التعاطي الجدي مع مخالفات ديوان المحاسبة، فاليوم تحاول الحكومة تسويق ملف اعادة هيكلة دعم السلع والخدمات واعادة توجيهها الى المستحقين، في وقت تراجع سعر برميل النفط الكويتي حسب اغلاق امس إلى 76.7 دولاراً، بما يعتبر اقرب سعر سوق من سعر التعادل منذ اكثر من 15 عاما، بينما لاتزال آفاق سوق النفط غير واضحة، واحتمالاتها السلبية اكثر من الايجابية.

جدية مطلوبة

لذلك فإن ارادت الحكومة ان تتعامل مع ملف الدعم وتخفيض النفقات، بل وحتى اعادة هيكلة الميزانية فعليها ان تتعامل مع ملاحظات ديوان المحاسبة بقدر عال من الجدية، فما ورد اليوم من اهتمام بالغ من رئيس الوزراء بأهمية معالجة ملاحظات الديوان، ورد بالامس على لسان العديد من وزرائه، الا أن تحدي اليوم اكبر من تحدي الامس وإن كان هذا الامس بحدود عام واحد، فالفشل، اليوم، في التعامل مع الملاحظات لا بد ان يرفع من درجة الاعتراض على المساس بمكتسبات الدعم والانفاق الاستهلاكي، بل يعطي انطباعا بأن العديد من هذه المخالفات تتم رعايتها بشكل رسمي أو حتى غير رسمي.

وتزامن ملاحظات الديوان مع فترة تسويق الحكومة اعادة هيكلة الدعم يحسب لمصلحتها، لا ضدها، فهي فرصة لتقديم نموذج في محاربة الهدر سيزيد من عدد الداعمين لبرنامج الاصلاح الاقتصادي الذي تتقدم فيه الحكومة خطوة وتتراجع اثنتين، فقط لانها لا تمتلك النموذج الناجح الذي يدعم تحركاتها.

ولمخالفات ديوان المحاسبة جانبان، الأول إداري والثاني مالي، وعليه تجب معاقبة من ارتكبوا المخالفات الإدارية الجسيمة، لا ان نجدهم بعد فترة في مناصب اعلى، كما تجب إحالة أصحاب المخالفات المالية إلى النيابة العامة ببلاغات جدية غير ملتبسة، للنظر في طبيعة هذه المخالفات.

إهمال حكومي - نيابي

لاشك أن الإهمال الحكومي لمعالجة ملاحظات ديوان المحاسبة وتراكمها جعلها، في وقت لاحق، مادة معتمدة في رفض اي مشروع جديد للحكومة التي لو كانت تتعامل مع الملاحظات جدياً، وتحاول من عام إلى آخر، خفض حجم ومقدار الملاحظات المالية والإدارية على الوزارات والجهات التابعة لها، لكان هذا مؤشراً على مكافحة الفساد الذي تتحدث عنه الحكومة، والذي تنامى حسب منظمة الشفافية العالمية بتراجع الكويت من الترتيب 35 عالمياً عام 2003 إلى 69 في 2013.

ربما يعتبر ديوان المحاسبة أهم جهة فنية في الدولة، فدوره تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة لصونها ومنع العبث بها، والتأكد من الاستخدام الأمثل في الأغراض التي خصصت لها، فضلاً عما له من دور رقابي على أعمال الوزارات التي يجب أن تتجاوب معه في التفتيش، بحيث يمتد التعاون إلى متابعة ملاحظاته لمعالجتها، وهنا يجب الحديث عن مخالفات متنوعة يكشفها ديوان المحاسبة سنوياً حتى باتت متراكمة بلا علاج... لذلك عندما ينتقد رئيسه عدم التفاعل مع ما يطرحه من ملاحظات ومخالفات، فإن الازمة كبيرة، وتشير الى قدر عال من تفشي الفساد وغياب الرقابة.

وعملية الرقابة منوطة بمجلس الامة، الذي لديه على ما يبدو - في افضل الاحوال - قلة قليلة من أعضائه عندها الرغبة او القدرة على اتخاذ قرار بالمحاسبة الحقيقية على ما ورد في تقرير الديوان من مخالفات، ومثلما كان هناك في السابق افراط في استخدام اداوت المحاسبة يبدو اليوم ان هناك افراطا في التخلي عن استخدام هذه الادوات... وهنا قصور في اداء سلطة تشريعية يقابله قصور اكبر لدى السلطة التنفيذية.

حث رئيس الوزراء لوزرائه على احالة التجاوزات والمتجاوزين إلى النيابة، يجب ان يكون جزءا من عمل حقيقي في مجلس الوزراء، ومعيارا في المكافأة او العقاب في التعاطي مع الوزراء، لا ان يكون مجرد تصريحات اعلامية لامتصاص ردة فعل معينة إزاء تقارير ديوان المحاسبة على جهات وهيئات حكومية، ثم العودة الى نفس الممارسات السابقة، مما يعطي صورة سلبية بعدم وجود رغبة في الإصلاح، ما يستحيل معه الحديث عن أي برامج إصلاحية أخرى.

back to top