سارة الصايغ أم الأسرى
عندما بلغني خبر وفاة سارة حسين الصايغ، شعرت بغصة، وسحبتني الذكريات إلى أيام الغزو حيث كانت - رحمها الله- نجماً ساطعاً وفعلاً رائعاً في سماء مظلمة وأيام معتمة.كتبت عنها بضع "تويتات" فتقاطرت الأسئلة وألحت علامات الاستفهام عمن تكون؟ وكم هو أمر مؤسف ألا يعرف أحد ما قامت به سارة الصايغ خلال فترة الغزو، وبالذات ما قدمته إلى الأسرى، إذ بذلت كل ما لديها لنقل المؤن دون كلل أو ملل إليهم، وللاطمئنان عليهم، بمخاطرة كبيرة على حياتها. صديقنا مبارك العدواني الذي عاد إلى الكويت أثناء الاحتلال مخاطراً بحياته من الخارج ثم انضم إلى الركب، واشترك مع "حملة الصايغ" مع علي الصايغ، أطلق على سارة لقب الأم تيريزا، لما شاهده وعاينه من التزامها وتفانيها في الوصول إلى الأسرى أينما كانوا، وكائناً من كانوا.
لم يكن الوصول إلى معتقلات الأسرى الكويتيين أمراً سهلاً، ولكن سارة الصايغ كانت ممن فتحوا الباب للكشف عن مصير أولئك الآلاف، وبالتالي نقل الخبر إلى الكثير من أهاليهم، الذين بدأوا بالتقاطر على المدن العراقية المختلفة. كان العراق سجناً كبيراً على أي حال.كان بمعتقل "بعقوبة" الضباط الأسرى، أما غالبية الجنود والأفراد وبينهم الكثير من "الأسرى البدون" فقد توزعوا على معتقلات مثل الموصل وتكريت والرمادي وغيرها. كان وضع الضباط بحكم الرتبة أفضل نسبياً، وكانت المؤن التي يتم نقلها تصل إليهم بقيود أقل، حيث يأتي "نساف" يحمل ما كنا نأتي به من مؤن ثم يُنقل إلى المعتقل، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في الوزن على الأسرى. أما بالنسبة للأسرى الآخرين، الذين كان ما يصل إليهم أقل، بسبب قيود في استقبال المؤن كأن تكون احتياجاتهم مغلفة بشكل فردي. وبالتالي ابتكرت حملة سارة الصايغ فكرة "كيس الأسير"، حيث يتم تعبئة احتياجات كل أسير في كيس أصفر خلال فترة رحلة "الباص" من الكويت المحتلة إلى بغداد، وقد أزيلت المقاعد لكي تُخلي المكان لأكياس الأسرى. وعندما يصل "الباص" بأكياسه يتم توزيعها في باحة فندق "ميليا المنصور" على "باصات" أصغر حجماً ليتجه كل منها إلى أحد المعتقلات، الموصل وتكريت والرمادي وربما غيرها.كانت سارة حسين الصايغ - رحمها الله- هناك بالصوت والصورة واللون والطعم والرائحة، وكم كانت تلك الرائحة طيبة من التفاني والإخلاص والمخاطرة لأجل الآخرين دون أن تعرف مَن هم.رحم الله سارة الصايغ، وصار علينا لزاماً أن نذكر شيئاً مما قامت به حين كان الوطن في محنته الكبرى وهي الاحتلال، ولربما تصلح كنموذج للتصدي للوضع البائس الذي نعيشه من احتقان طائفي وفئوي.رحم الله سارة الصايغ وألهم أهلها الصبر والسلوان.