ابتداءً، فإن غياب العدالة في سلم رواتب القطاع الحكومي أمر لا يختلف فيه اثنان بعد مسلسل الزيادات «العشوائية» غير المدروسة على مدى السنوات الماضية، ولعل أبرز مظاهرها الاختلاف الكبير أحياناً بين وظائف متشابهة في وزارات أو هيئات مختلفة، فضلاً عن عدم تناسب طبيعة العمل مع المقابل المادي في الوظائف المختلفة، وعليه فإني، كغيري من العاملين في هذا القطاع، كنت ومازلت أتطلع إلى تغيير يحقق قدراً أكبر من الإنصاف.
حجم المشكلة يتطلب في مقابلها حلاً يتناسب معها، وإن صح لي استعارة وصف من مجال عملي فإن المطلوب هنا هو حل جراحي كامل يعالج جذور المشكلة من دون مجاملات، ومثل هذه الحلول تصاحبها في الغالب أعراض جانبية تتمثل هنا بانخفاض الراتب في وظائف نالت زيادات قد تكون غير مستحقة، وهو ما سيسخط البعض دون شك، لكن إنقاذ حياة المريض أولى!ذكر الدكتور خليل أبل، في مقابلته على قناة «الوطن»، أن البديل الاستراتيجي سيعالج الخلل الحالي، وكنوع من ضمان العدالة، فإنه سيضمن بقاء الرواتب الحالية دون مساس بالموظفين الحاليين في القطاعات التي سيطولها النقصان! (أبرزها إن لم أخطئ الأطباء وموظفو القطاع النفطي). لست هنا في معرض الحديث عن مناسبة الوظائف مع ما أعلن من جدول للرواتب، وما إن كان في زيادة بعضها أو نقصان الآخر تحقيق للإنصاف المطلوب، وإن كان هذا الأمر يستحق النقاش، ولكنني أود التنبيه إلى إحدى النتائج المتوقعة لتطبيق البديل الاستراتيجي بشكله المعلن على القطاع الصحي (كونه مجالا عمليا) وإن كان ما سأذكر يمكنه أن ينطبق على غيره من القطاعات.لعل السبب في إبقاء الرواتب الحالية دون نقصان هو تجنب التضييق على من بنى حياته والتزاماته المادية على مستوى معين، كما أن هذا الأمر سيجنّب المشرع سخط هذه الفئة (أحد الأعراض الجانبية المتوقعة)، لكنه سيخلق في المقابل حالة فريدة من نوعها! طبقاً لما نُشِر من جدول للرواتب، فإنه ولسنوات ليست بالقليلة، سيعمل كثير من الأطباء في وظائف مماثلة، وفي مكان العمل نفسه باختلاف في الراتب قد يصل إلى ٢٥ في المئة، ولا أدري كيف سيسمح لمثل هذا الأمر أن يكون، بل كيف يمكن أن يذكر على أنه من ضمانات العدل في هذا المشروع؟!الآثار السلبية لهذا الأمر مدمرة حتما لقطاع يعاني، ضمن ما يعانيه، عدم التفريق بين مختلف اختصاصاته، من حيث مشقاتها وساعات عملها، فضلاً عن مساواة العامل فيها مع غير العامل بالراتب نفسه. ومحصلة ما سينتج عن ذلك هو تسرب الطاقات الشبابية المتضررة من هذا القرار إلى القطاع الخاص أو الخارج، وإن قُدّر لها أن تبقى فمن غير المتوقع لها أن تحقق الإنتاجية أو الفعالية المأمولة منها في ظل ما ستعانيه من الإحباط وعدم المساواة.أعيد التذكير بأنني مازلت أرى من الضروري أن يتم إصلاح الوضع الحالي، ولعل هذا الإصلاح يكون من خلال البديل الاستراتيجي بعد إدخال التعديلات التي تحقق قدراً أكبر من العدالة، وأكتفي هنا بالتنبيه إلى هذا الخلل في المشروع الحالي إثراءً للنقاش الدائر حوله، أما عن الحلول فمتى ما أدرك المشرع حجم الخلل بات بإمكاننا الحديث عنها.
مقالات - اضافات
«البديل الاستراتيجي» والأطباء
23-05-2015