إذا كانت الولايات المتحدة جادة في أنها ستتصدى لتنظيم "داعش" والقضاء عليه بمئات السوريين الذين أعلنت أنها ستدربهم فيجب القول لها: "أبشر بطول سلامة يا مربع"، فهذا التنظيم الذي يحتل جزءاً كبيراً في العراق وسورية والذي فشل القصف الجوي المتواصل منذ نحو عامين في التأثير جدياً على قدراته وعلى مواصلة احتلاله لبعض المناطق العراقية والمناطق السورية، لا يمكن مواجهته بالأعداد التي أعلنها الأميركيون وبعض الدول الأخرى عربية وغير عربية.
كل محاولات الجيش العراقي لمواجهة هذا التنظيم في "الأنبار" وفي مناطق عراقية أخرى قد باءت بالفشل، والسبب أن إيران و"الميليشيات" التابعة لها لا تريد القضاء على "داعش"، لأن وجوده يبرر الوجود الإيراني بكل أشكاله بما فيه الوجود العسكري في بلاد الرافدين، ويبرر تدخل طهران السافر في الشؤون الداخلية العراقية، ويبرر تفوق الـ"حشد الشعبي" و"قوات بدر" على جيش العراق الذي لا يمكن تصديق أنه عجز فعلاً عن تحقيق أي إنجاز في محافظة "الأنبار" التي من المعروف أنها محافظة "سنية" خالصة.ثم من المؤكد أن الأميركيين ومعهم كل دول هذه المنطقة يعرفون أن نظام بشار الأسد يضع "داعش" في بؤبؤ العين، وأنه هو الذي تخلى له عن مدينة "الرقة"، وأنه أيضاً هو من جاء به إلى منطقة "حماة" وإلى مخيم اليرموك الفلسطيني وإلى القلمون، وكل هذا من أجل تمرير كذبة أنه، أي هذا النظام، يواجه إرهابيين لا "ثواراً" من أبناء الشعب السوري، وهنا فإن ما يبعث على المزيد من الشكوك ويعززها هو أن الولايات المتحدة ومعها العديد من الدول تعرف تمام المعرفة هذه الكذبة المكشوفة منذ الأشهر الأولى لانطلاق الثورة في عام 2011.إذن ومادام أن هذا هو واقع الحال، فهل أن الولايات المتحدة ومعها بعض دول هذه المنطقة تصدق أنها قادرة على القضاء على "داعش" ببضع مئات من "المتدربين" حتى وإن أصبح كل واحد منهم بقوة "طرزان" أو بقوة "غراندايزر". إن هذا عبارة عن بيع أوهام لا يمكن تمريرها على الشعب السوري ولا على المعارضة السورية ولا على كل من يعنيه الحفاظ على وحدة هذه الدولة العربية وتماسك مكوناتها الاجتماعية.ولذلك إذا كان الأميركيون، والمقصود هو الإدارة الأميركية، صادقين في أنهم يعتبرون أن نظام بشار الأسد لم يعد له أي دور في حاضر سورية ولا في مستقبلها، فإن عليهم أن يواجهوا الحقائق مباشرة، وإن عليهم أن يستبدلوا حكاية تدريب المئات هذه بتزويد المعارضة السورية بالأسلحة الفعالة التي باتت تحتاج إليها إن لم يكن لحسم المعركة نهائياً فلإجبار هذا النظام على الالتزام بـ"جنيف1" ولحمله مرغماً على قبول حلّ المرحلة الانتقالية.وأيضاً إذا أراد الأميركيون القضاء فعلاً على "داعش"، فإن عليهم أن يكونوا أكثر "جدية" في إضعاف النفوذ الإيراني في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي إنهائه في اليمن. أما "كذبة" تدريب بضع مئات للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي، الذي ثبت أن لديه قدرة وإمكانيات دولة فعلية، فإنها لم تنطلِ على أي كان. إن المطلوب هو دعم فعلي وحقيقي لقوى المعارضة السورية "المعتدلة"، وهو أيضاً منع التدخلات الإيرانية في شؤون هذه المنطقة، ووضع حد فعلي لهذه التدخلات.
أخر كلام
إذا كانت أميركا صادقة!
11-05-2015