لا يختلف باحث متخصص في شؤون الجماعات الجهادية المتطرفة والإرهابية على أن «داعش» بدأ من حيث انتهى «القاعدة»، فعمل على استخدام الأناشيد الدينية.

Ad

الإنتاج الفني لتنظيم الدولة

تحدثنا في الحلقة السابقة عن نظرة الجماعات الجهادية المختلفة لتنظيم الدولة، واليوم عزيزي القارئ نحن بصدد الحديث عن الإصدارات الفنية للتنظيم ومدى تأثيرها في عملية التجنيد.

قال صديقي الليبرالي: أتذكر في شبابي بعض الأناشيد الدينية الحماسية التي كنت أضعها إلى جانب مجموعة من الأغاني الطربية لبعض الفنانين كمحمد عبده، وأم كلثوم، وفريد الأطرش... إلخ. وفي بعض الأوقات إلى جانب الأغاني الغربية كأغاني Celine Dion ومن أبرز تلك الأناشيد "سنخوض معاركنا معهم".

لعل القول إن الموسيقى غذاء الروح لقي صداه لدى الجماعات الجهادية بمختلف انتماءاتها، فمنذ نشأة هذه الجماعات وتيار الإسلام السياسي والأناشيد الدينية عامل بارز في إصداراتها ومنهاجها في بث روح الانتماء والترويج لأفكارها، حتى وصلنا إلى مرحلة متطورة من الإنشاد وهي الراب الجهادي، وعلى الرغم من أن تلك الجماعات تحظر الموسيقى، فإنها تتيح منها الأناشيد ذات الطابع الإسلامي.

 حقيقة الأمر الإنشاد تراث إسلامي قديم منذ عهد نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولعل بداية ظهور الإنشاد في الإسلام تعود إلى بداياته، حيث جوّد بلال بن رباح في الأذان بصوته الحسن، وعمل الصحابة في عهد نبي الله محمد (صلى الله عليه وسلم) بالتغني بالأشعار الإسلامية التي كتبها آنذاك حسان بن ثابت، كذلك تطور الإنشاد الديني في عهد الأمويين الذين أعطوا له اهتماما كبيراً، حيث يذكر العديد من المنشدين في عهد الدولة الأموية كـإبراهيم بن المهدي والفتى زرياب وإسحاق الموصلي، كذلك في الدولة الفاطمية نتيجة لاهتمام الدولة بالاحتفالات الدينية المجتمعية من رأس السنة الهجرية ومولد النبي (صلى الله عليه وسلم) ومولد علي بن أبي طالب وظهور لقب "الدراويش" وغيرها من الاحتفالات التي بدأت على يد الدولة الفاطمية، وغيرها من التطور في اللطميات الشيعية، ثم القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين اللذين انتشرت فيهما فضائيات متخصصة ببث الأناشيد الدينية.

وبالنظر إلى تيار الإسلام السياسي ترى أن "الإخوان المسلمين" من أول الجماعات التي اعتمدت الأناشيد الدينية وسيلة في ترويج أفكارها وتغذية روح الانتماء لدى منتسبيها كأنشودة "يا معشر الإخوان" والأنشودة الأشهر في تاريخهم "لبيك إسلام البطولة"، ثم تطور الأمر وارتبط بالجماعات الجهادية المتطرفة، فقد أدرك تنظيم "القاعدة" منذ بداياته أهمية تلك الأناشيد في بث ثقافة الجهاد والتشيع على فداء الدين والأمة الإسلامية بالأرواح، ولعل أبرز قصيدة وأنشودة لتنظيم "القاعدة" كانت قصيدة كتبها زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن بعنوان "تأهب مثل أهبة ذي كفاح"، وأنشدها العديد من المجاهدين، بل بعض المطربين المنتهجين للنهج السلفي فيما بعد كفضل شاكر، وغيرها من الأناشيد كـ"سنخوض معاركنا معهم".

«تنظيم الدولة» والإنشاد

لا يختلف باحث متخصص في شؤون الجماعات الجهادية المتطرفة والإرهابية على أن "داعش" بدأ من حيث انتهى "القاعدة"، فعمل على استخدام الأناشيد الدينية، وعمل على بث فيديوهات لعملياته الدموية مدمجة مع أناشيد جهادية كنوع من أنواع التأثير النفسي، ووسيلة لجذب الشباب وتجنيدهم لتنظيم الدولة، ولعل ما يظهر اهتمام التنظيم والتنظيمات الجهادية المتطرفة الأخرى بالأناشيد هو حرصهم الدائم على أن يكون في سيارات المقاتلين شرائط تبث تلك الأناشيد لتزيل الخوف من داخلهم وتشجعهم على الاستمرار فيما خولوا به.

وتنقسم الأناشيد الدينية لتنظيم الدولة ما بين أناشيد تحث على القتال والجهاد، وأخرى ترفيهية تشير إلى شكل الحياة اليومية للمنضمين إلى التنظيم كنوع من أنواع الترغيب في الانضمام إليه، وسنستعرض في السطور المقبلة أبرز تلك الأناشيد ومدلولاتها.

الأناشيد القتالية

على الرغم من الشهرة الواسعة لسلسلة "صليل الصوارم" التي بدأ بثها منذ عام 2012 فإن هناك العديد من الأناشيد الأخرى التي أنتجها تنظيم الدولة منها: فجر الأرض، وفحز الرقاب، ولا تبقي ولا تذر، وزدهم لهبا، وسنتناول هنا أنشودتين فقط.

فجر الأرض

"انتفض أو مت إذا شئت شهيدا

فحديد الموت قد فلّ الحديدا

فجر الأرض ودعها شعلة

قطع الباغي وريدا فوريدا

دس على هامات أذيال الخنا

بائع الزور ولا تبق يهودا

سمها إن شئت عنفا أو فدا

أو قصاصا أو دفاعا أو صمودا

أيها المسلم أطلق صرخة

تضع الحامل بالهول الوليدَا

يا شهيد الحق أيقظ أمتي

فالإذاعات غناء ونشيدا

خذ دمي حبرا وجلدي دفترا

واكتبوا فيها خلودا ياشهيدا".

بداية عمل الشاعر على حث المجاهدين على القتال بإعطائهم لقب الشهيد كمكافأة للمشاركة في الجهاد، فقد ذكر لفظة شهيد ثلاث مرات؛ اثنتان منها بأسلوب نداء كدليل على أن متبعي التنظيم يقاتلون في سبيل الله، إلى جانب استخدام الشاعر للخلاف الديني ما بين المسلمين واليهود كوسيلة لدفع المجاهدين لقتال أعداء التنظيم، وعن العنف في القصيدة، فهناك العديد من الكلمات الدالة عليه "حديد الموت- فجر الأرض- قطع الباغي- دس على- لا تبق"، ولم يتجاهل الشاعر في قصيدته الخلاف حول تسمية أفعال التنظيم الجهادية المتطرفة، فقد خاطب المجاهدين تاركا لهم المجال ليضعوا مسمى لتلك الأفعال بدءا من العنف وصولا إلى الصمود.

«صليل الصوارم»

عبقرية تلك الأنشودة تتمثل بكونها شملت الدعوة للجهاد والقتال، ثم تطرقت إلى السبب وراء تلك الدعوة، ثم اختتمت بتقديم المكافأة لمن يلبي النداء وهي جنات الخلد".

نظن أن الملقب بشاعر الإسلام عبدالملك عودة عندما كتب قصيدته "قول الصوارم" في عام 2011 لم يكن يعلم أنها ستستخدم فيما بعد من تنظيم الدولة في إصداراته تحت مسمى "صليل الصوارم"، تلك السلسلة الإنشادية المكونة من خمسة أجزاء- الخامس منها في الطريق للإصدار- والأشهر في أناشيد تنظيم الدولة، وقد ظهر الإصدار الأول من تلك الأنشودة لتنظيم الدولة في فيديو مقتل محمد السبعاوي قائد قوات الصحوة  في كمين بالموصل نوفمبر 2012، وآخرها كان في فيديو حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة.

الكلمات

"صليلُ الصوارم نشيدُ الأباة

ودرب القتال طريق الحياة

فبين اقتحام يبيد الطغاة

وكاتمُ صوتٍ جميلٍ صداه

به عزّ ديني وذلّ البغاة

فيا قومي هبُّوا لدرب الكُماة

فإما حياة تسر الهدى

وإما ممات يُغيظ العداة

فقم يا أخي لدرب النجاة

لنمضي سوياً نصدّ الغزاة

ونرفع مجداً ونعلي جباه

أبت أن تَذٍلّ لغيرِ الإله

إلَى الحق هيا دعانا لواه

لساح المنايا لرحب عداه

فمن مات منا فدا عن حِماه

بجنّات خلد سيغدو عزاه

تعد تلك الكلمات هي الأبرز والأكثر تداولا من سلسلة صليل الصوارم، ولفظ صليل الصوارم يعني "صوت السيوف القاطعة"، بدأ الشاعر فيها بالقول إن السيوف القاطعة هي منهاج السلف "الآباء" والقتال في سبيل الله هو أساس الحياة، ثم اتجه الشاعر إلى وصف مراحل القتال، مشيرا إلى مرحلة الاقتحام، وتتبعها مرحلة قتل الطغاة التي تطرب بصوت الأسلحة، وعن القتال أشار الشاعر إلى أنه الطريق إلى رفع راية الإسلام وذل الطاغين والبغاة، وعليه نصح المسلمين بالسير على منهاج "الكماة" الفرسان الشجعان الذي يتسم إما بحياة كريمة ينتصر فيها الإسلام أو الاستشهاد، ثم اتجه لدعوة المسلمين للسير نحو القتال في سبيل الله لإيقاف الغزاة وصدهم ورفع جباه المسلمين التي لن تنحني لغير الله، داعيا المسلمين إلى السير في طريق الحق، حيث دعاهم الله سبحانه وتعالى لقتال الأعداء، وعن جائزة المقاتل في سبيل الله أشار إلى أن من مات دفاعاً عن أرضه فهو في جنات الخلد.

الأناشيد الترفيهية

بعكس الصورة المتداولة عن التنظيمات الجهادية المتطرفة والمجاهدين وحياتهم الداخلية بأنهم في قتال دائم، ويسكنون ببحور من دماء، تظهر العديد من الجلسات الإنشادية للمجاهدين داخل تنظيم الدولة ينشدون فيها بعض القصائد على رأسها "ياعاصب الرأس وينك"، وقد نشر التنظيم مثل هذه الجلسات فكان أول فيديو لجلسة إنشادية أنشد فيها "ياعاصب الرأس وينك" بحضور "شاكر وهيب الفهداوي الدليمي"، الملقب بـ"أسد داعش – أسد الصحراء- أبو وهيب"، والذي يعد من أعنف مقاتلي "داعش" على الرغم من أناقته واهتمامه بمظهره حتى لقب بـ"دنجوان داعش"، ومن كلمات تلك الأنشودة:

ياعاصب الرأس وينك، حنا عـلى رأس قـمـنة، وردي عـلـيـكم مـذمـة

ياعاصب الرأس وينك، تـنـشـد وقـدمـك قـواطـ،ي صـايـع وضـايـع وواطي

لماذا الأناشيد؟

أظن أن هذا السؤال تمت الإجابة عنه في بدايات المقال، فيما يتعلق بالاهتمام بالإنشاد في العصور الإسلامية المختلفة الاهتمام بالأناشيد في الجماعات الجهادية ليس اعتباطيا أو بلا هدف، ولكن تلك الجماعات تهدف من نشر الأناشيد إلى ما يلي:

- خلق ثقافة الجهاد.

- رفع الروح المعنوية للمنتسبين إليها.

- إرهاب العدو.

- تشكيل العقل البشري لمعارضيه بلا اقتناع ومحاولة لعمل "غسيل دماغ" لهم وجذبهم للتظيمات.

- استغلال الخلل في التكوين الديني للأفراد ممن يتّسمون بالحمية الدينية وجذبهم نحو التنظيم.

سبل المواجهة

كما أخرت المؤسسات الدينية المعتدلة والحكومات المواجهة الفكرية للجماعات الجهادية المتطرفة والعمل بمبدأ "الفكر يواجه بالفكر" أخرت أيضاً وضع سبل وخطوات ملموسة لمواجهة الأناشيد الجهادية المتطرفة، وعليه هناك مجموعة من الخطوات ننصح بها في مواجهة خطورة تلك الأناشيد كالتالي:

فيما يتعلق بالمؤسسات الدينية المعتدلة:

- العمل على تطوير النشيد الديني من حيث الكفاءة في الإنتاج والدقة في استخدام الكلمات الموضحة للحق من الباطل.

- البعد عن الحديث بنبرة الرفض تجاه الأناشيد الجهادية دون عرض أسس دينية وفقهية تشرح عدم شرعية تلك الجماعات بأسلوب خطابهم نفسه.

ما يتعلق بالحكومات

- تخصيص حفلات إنشادية دينية وعدم التضييق عليها ورعايتها ببث ابتهالات دينية تدعو إلى السلام وقيم الإسلام.

- العمل على القضاء على المؤسسات والمواقع الإلكترونية التي تبث تلك الأناشيد.

- عمل هيئة بالتنسيق مع المؤسسات الدينية للرد على تلك الأناشيد باللغة نفسها جمالا ودقة.

ما يتعلق بالأسرة

- تربية الأطفال قبيل 15 عاماً على الابتهالات الدينية.

- تشفير القنوات التلفزيونية ومواقع الإنترنت التي تبث الأناشيد الجهادية.

* كاتب وباحث سياسي مصري