«الخليج» ومنتجو النفط في لعبة «عض الأصابع»... من سيصرخ أولاً؟

نشر في 25-12-2014 | 00:09
آخر تحديث 25-12-2014 | 00:09
No Image Caption
ليس سهلاً إخضاع روسيا وإيران ولا إزاحة «الإنتاج الصخري»
أرادت دول الخليج استغلال انخفاض سوق النفط لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية متنوعة، كالضغط على روسيا وإيران، والعمل على إزاحة منتجي النفط الصخري، غير أن واقع الحال ليس بتلك السهولة التي يظنها الخليجيون.

في الغرب قديما كانت هناك لعبة تسمى «عض الأصابع»، وهي لعبة يقف فيها شخصان متقابلان، بحيث يضع كل منهما إصبعه في فم الآخر ويبدآن العض ويكتم كلاهما صرخته، لأن من يصرخ أولا هو الخاسر.

ما يحدث اليوم في سوق النفط اشبه ما يكون بتلك اللعبة، خصوصا مع التصريحات التي اطلقها مجموعة من وزراء النفط الخليجيين هذا الأسبوع معربين عن عدم اكتراثهم بما يحدث من تراجع في سوق النفط وعدم حاجة «اوبك» إلى خفض الانتاج، حتى توج هذه التصريحات وزير النفط السعودي علي النعيمي بقوله ان «اوبك» لن تخفض انتاجها حتى ولو بلغ سعر البرميل 20 دولاراً، معللاً هذا التوجه بالخوف على الحصص الإنتاجية لدول المنظمة ومخاطر فقدان الزبائن الدوليين لصالح دول اخرى من خارج المنظمة.

ورغم أن اسباب تراجع اسعار النفط ليست بيد دول الخليج او حتى منظمة اوبك، كونها ترتبط اصلا بعوامل اكبر في سوق النفط، كتراجع النمو الاقتصادي في دول شرق اسيا وبرامج التقشف المالية الأوروبية ونمو الإنتاج النفطي الأميركي، فضلاً عن صعود سعر صرف الدولار، الا ان ما تلا هذا الانخفاض من سياسات خليجية هو ما يجب وصفه بلعبة «عض الأصابع».

فدول الخليج أرادت استغلال هذا الانخفاض في السوق النفطي الذي بلغ منذ يونيو الماضي نحو 50 في المئة لتحقيق اهداف سياسية واقتصادية متنوعة، أولها الضغط على روسيا وإيران في ملفات شرق اوسطية متعددة، فضلا عن العمل على ازاحة منتجي النفط الصخري ذي الكلفة العالية من السوق، الا ان واقع الحال ليس بتلك السهولة التي تظنها دول الخليج.

روسيا وإيران

بالنظر إلى اثر النفط في الناتج المحلي الإجمالي لروسيا نجد انه يشكل نحو 8 في المئة، وبالنسبة لإيران يشكل 17 في المئة، اما بالنسبة لدول الخليج فنجد ان الكويت تعتمد على النفط في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة تبلغ حوالي 59 في المئة والسعودية 44 في المئة، والامارات 33 في المئة، وقطر 31 في المئة، اما عموم دول «اوبك» فيشكل النفط نحو 32 في المئة من ناتجها المحلي، وهذه البيانات حسب عام 2013.

صحيح أن سعر التعادل الذي تحتاجه روسيا وإيران 100 دولاراً و133 دولاراً على التوالي، وهو أعلى مما تحتاجه كل دول الخليج، إلا أن اعتماد هاتين الدولتين على النفط اقل بكثير من اعتمادنا عليه، وبالتالي يصعب الحديث عن منتصر مؤكد في هذه الحرب النفطية، وربما يكون الرهان الخليجي على انخفاض أسعار النفط لعام او عامين غير مضمون النتائج.

تكلفة «الصخري»

يبقى الحديث عن منتجي النفط الصخري ومدى اثر انخفاض اسعار النفط في امكانية ازاحته من السوق، فالحديث عن الكلفة العالية لاستخراج النفط الصخري ليس دقيقا تماما كون تكلفة الاستخراج تتنوع حسب المناطق، فنراه في منطقة يصل الى 80 دولاراً للبرميل، وفي منطقة اخرى 40 دولاراً، وبالتالي فإن انخفاض الاسعار لن يزيح النفط الصخري من السوق كليا، وإن نجح في ذلك مرحليا.

ولدى الحديث عن الرهان على أثر انخفاض اسعار النفط على النفط الصخري يجب مراعاة عاملين يجعلان هذا الرهان غير مجد بصورة كبيرة، الاول ان التكنولوجيا والأبحاث باتت تستهدف خفض تكلفة إنتاج هذا النوع من النفط غير التقليدي، بما يصل الى 50 في المئة في المدى المتوسط، اي ان كلفة الاستخراج ستنخفض مع الوقت، اما الثاني فإن محاربة النفط الصخري على المدى الطويل تعني الاخذ بالاعتبار ان عودة الاسعار الى الارتفاع إلى مستويات 90 او 100 دولار غير واردة في حسابات دول الخليج، لأن الارتفاع مجددا سيعيد انتاج النفط الصخري مرة اخرى، وهذا افتراض مضر لدول الخليج، وإن كان بدرجة اقل لضرر منتجي النفط الصخري.

الأولوية المطلوبة

ما غفلت عنه دول الخليج وفي مقدمتها الكويت هو استغلال فرصة هبوط اسعار النفط لاجراء اصلاحات اقتصادية تعيد تنظيم المالية العامة والميزانية، فنمو الاعتماد على النفط مهما كان سعره هو احد الاخطار التي تواجه دول المنطقة خصوصا وسط تنامي فاتورة الصرف في دول الخليج خلال السنوات الـ14 الاخيرة، مما يعني ان أثر انخفاض الاسعار وضعف الاسواق هذه المرة ربما يكون شديدا خصوصا اذا طالت اماد الهبوط اكثر من توقعات المنتجين.

المطلوب في ظل انخفاض اسعار النفط ليس محاربة منتجين اخرين او ازاحة نفوط غير تقليدية بل اتخاذ اجراءات عاجلة تستهدف تقليل الاعتماد على النفط في الميزانية والاقتصاد وزيادة حجم الايرادات غير النفطية من اجمالي الايرادات، والاهم على المديين المتوسط والطويل العمل على تنويع الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات وتوفير فرص عمل خارج القطاع الحكومي، فالوفرة والفوائض التي تحققت منذ عام 2000 يبدو انها لن تكون متاحة على المدى القريب وبالتالي لا بد من قرارات جدية نتخذها اليوم في وضع مريح افضل من اتخاذها في أوضاع صعبة.

لعبة عض الأصابع في سوق النفط ليست سهلة ابدا والخوف ان تصرخ دول الخليج قبل غيرها إذا طال امد الهبوط او تراجعت الاسعار إلى مستويات ادنى، خصوصا ان قرار الصعود او الهبوط ليس في يدها ولا بيد «اوبك»... عندها لن يكون الاستقطاع من الاحتياطيات المالية او حتى الاقتراض الخارجي او تقليل الانفاق على المشاريع من الحلول التي تضمن الاستدامة لمدة طويلة، وهو امر يستدعي الالتفات الى الاصلاحات المالية اكثر من اي مغامرة قد لا تكون محسوبة بصورة جيدة.

back to top