تعيش أقطار وشعوب وطننا العربي لحظة تاريخية ومنعطفا كبيرا. وإذا كانت منطقتنا العربية قد عاشت لحظات تشكّل وتغيّر عبر التاريخ القديم والحديث، فمن المؤكد أنها تسير اليوم نحو خارطة جديدة للمنطقة، ليس على مستوى الحدود الجغرافية فحسب، بل على مستوى وعي وسلوك وعلاقات الإنسان العربي بما يحيط به في المكان والفكر. ومن المؤكد أيضاً أن أبناءنا سيعيشون وضعاً عربياً مغايراً لما حلمنا به وعشناه.

Ad

في خضم هذه التغيّر المصيري، يبرز سؤال مشروع: أين تراها الثقافة، وأين تراه فعل المثقف؟ فما تقدمه وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي صباح مساء هو أخبار الحرب والعنف والدمار، على مستوى البشر والحجر، كما أن صوت الخراب بات يعلو على كل صوت، وبات يأخذ الناس بتفكيرهم ووعيهم ونفسياتهم إلى معايشة ما يدور أمامهم، وإهمال أي شأن آخر غيره.

وهذا بدوره خلق حالة مزاجية، يمكن رؤية فئتين من البشر من خلالها، فالسواد الأعظم صار يغلب اللون الأسود والتشاؤم والشكوى على عالمه، بينما حرّك تعقّد الوضع واليأس فئة ثانية لأن تتجاهل كل ما يدور حولها، وتعيش لحظتها غير مبالية بما سيأتي غداً. وأرى أن الثقافة في القلب من موقف الفئتين.

الفن والأدب يخاطبان وعي الإنسان بغية التأثير في مشاعره ومن ثم قناعاته. ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة نبرة خطابهما بصوت الطلقة ودوي المدفع وقذائف الطائرة ولون الدم ولوحة الخراب المريع. لكن، حتى وسط الموت، يبقى الإنسان متعلقاً بأمل نجاة، ومؤكد أن الكلمة والفكر هما طوق النجاة المتبقي لنا نحن أبناء المنطقة العربية.

كأي فتاة مثيرة، تتمطى بدلعها وبعثرة شعرها، الشمس، حتى ولو أخرها لعبها الباكر مع غيم عابر،/ فإنها لا تلبث أن تكشف عن وجهها،/ تبزغ بنورها متغطرسة، قاسية، لا تبالي بمأساة أحد.

اليوم الجديد يأتي سائراً كأهون ما يكون،/ وعقارب الساعة تشمت بمن ينظر إليها.

لكن، ليس لي إلا أن أعيش لحظتي،/ ولا أملَّ أهمس بقلبي:/ اللحظة القادمة رهانك الأجمل.

نعم، منطقتنا العربية تعيش حروبا بشعة،/ نعم، نعيش مراراً وخوفاً،/ نعم، نفقد أحبّتنا ويجرح الدمع خدودنا.

نعم، منطقة العربية سائرة لخارطة جغرافية جديدة،/ نعم، غدنا لن يكون كأمسنا.

ونعم كبيرة، نمتلك أملاً بوسع سر الغد.

مؤكد أن أبناء هذه الأمة من أدباء وفنانين لن يتخلوا عن أوطانهم في لحظة ألمها، ومؤكد أنهم يرفعون راية الأمل، بالرغم من كل المجازفة برفع راية في زمن الحرب!

الكاتب والفنان العربي ما فتئ يكتب وينحت، وهو إذا يفعل ذلك إنما يعبر عما يدور بخلده، ويرسم أملاً باسماً لكل من يحيط به. ثم ان هذا هو ميدانه، وهذه هي حرفته. وأبداً لم يتخلَّ عن مبدئه.

كل أبناء الشعوب العربية تعيش لحظتها المتغيرة، لكن المتأمل في المشهد العربي الثقافي، يرى أن الأديب والفنان العربي في كل مكان، يصرّ على التواجد، ويصرّ على العطاء، ويصرّ على المشاركة، ويخطأ من يرى انعدام دور المثقف بالنظر إلى انخفاض صوته.

ونظرة عابرة الى الجماهير العربية التي تقصد جميع معارض الكتب العربية، وتتابع أخبار المهرجانات والجوائز العربية الأدبية والفنية، تقول بما لا يدع مجالاً للدحض: الشعب العربي متمسك بالكلمة والفعل الأدبي والفني، وليس أكثر صدقاً من التعبير عن أهوال ما نمرّ به كما هو الأدب والفن.

جميع الأمم مرّت في دهاليز الظلمة، وهي إذا عبرت ذاك الجحيم فإنها ظلت ناظرة لضوء باهر يلوح عند نهاية النفق، ومن أجل هذه الضوء نسير.