ما قل ودل: على هامش حكم «الدستورية» (2)
تفسير المحكمةتناولت في مقال الأحد الماضي الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية برفض الطعن في مرسوم قانون الصوت الواحد، المقام بدعوى أن رئيس السن هو الذي أحال المرسوم إلى اللجنة المختصة، بعد إحالة الحكومة لهذا المرسوم إلى المجلس، فتعتبر هذه الإحالة والعدم سواء، بما يفقد المرسوم قوة القانون، وهو ما رفضته المحكمة، تأسيساً على ما جاء في أسباب الحكم من أن الحكومة، وقد أحالت هذا المرسوم إلى المجلس في الموعد الذي حددته المادة 71 من الدستور، فلا تزول ما له من قوة القانون، إلا برفض المجلس له.
تفسير تبناه مجلس الأمة 2002وهو تفسير تبناه مجلس الأمة في جلسته المعقودة بتاريخ 4/3/2002، في أزمة المرسوم بقانون رقم 58 لسنة 2001 بتنظيم الادعاءات بملكية العقارات المملوكة للدولة، عندما صوّت بالموافقة على رفض هذا المرسوم، بناء على توصية اللجنة التشريعية، التي رأت أن المرسوم قد عرض عرضاً صحيحاً على المجلس عندما أحالته الحكومة إلى المجلس في يوم صدوره، حتى لو كان المجلس قد تراخى في إدراجه على جدول أعماله إلى ما بعد انقضاء الميعاد الذي حددته المادة (71) من الدستور لعرض المراسيم بقوانين على المجلس، عدولاً عن موافقة عامة للمجلس في جلسته المعقودة بتاريخ 22/10/2011، على استبعاد المرسوم من جدول أعماله لزوال ما يتمتع به من قوة القانون لعدم إدراجه على جدول أعمال المجلس خلال الميعاد الذي حددته المادة (71) من الدستور، وهو ما أبلغت به الحكومة بموجب كتاب رئيس المجلس الموجه إلى رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 24/10/2001.العنجري بطل التفسير الصحيح للمادةوالواقع أنه وراء تصدى اللجنة التشريعية للمرسوم بقانون سالف الذكر والتوصية التي أصدرتها، وتصويت المجلس بإجماع آراء أعضائه الحاضرين عدولاً عن موافقته العامة السابقة قصة بطلها السيد/ مشاري العنجري، نائب رئيس المجلس وقتئذ، عندما وجه رسالة إلى اللجنة التشريعية نشرتها جريدة القبس في عددها الصادر في 24 ديسمبر سنة 2011، طالب فيها اللجنة والمجلس برفض إقرار المرسوم بقانون، ننقل ما جاء بها في ما يلي:دهشة النائب العنجري لصدور المرسوم وأبدى السيد/ مشاري العنجري في رسالته دهشته من صدور هذا المرسوم في هذا التوقيت والمجلس على وشك الانعقاد والنظر في ما تقدمه الحكومة من مشروعات قوانين.وشكك النائب العنجري في الدافع إلى إصداره، قائلاً: وإذا كان الدافع إلى إصداره، وقبل انعقاد المجلس بأيام، هو فرط حرص على حماية الملكية العقارية للدولة، التي ينشد الجميع تحقيقها، فإنه لا ريب أمر يحمد، أما إن كان باعثها رعاية الادعاءات بالملكية على أراضي الدولة، وإتاحة فرص جديدة لها في إثبات ما تدعيه، بعد أن أغلقت التشريعات السابقة الباب عليها، فإن ذلك يكون قصياً عن الجادة، عصياً على التقبل، في تشريع أبانت الدولة في استهلال مذكرته الإيضاحية أنها تستهدف من إصداره حماية أملاكها العامة والخاصة.وأضاف النائب: ولعل تقييم هذا المرسوم والمشروع بقانون البديل الذي قدمته الحكومة في أحد هذين الإطارين، إطار حماية وصون المال العام، أو إطار رعاية أصحاب الادعاءات على ملكية الدولة العقارية، لا يشق على أحد، وقد استهلت المادة الأولى أحكامها في كل منهما بإضفاء الشرعية على مدد وضع اليد التالية لتاريخ 23 يناير 1956، بعد أن كانت التشريعات السابقة قد جردت هذه المدد من شرعيتها وأسقطتها من حساب المدة القانونية اللازمة لاكتساب الملكية على أراضي الدولة، وإذ بالمرسوم بقانون ومشروع القانون يعيدان إلى هذه المدد التالية لتاريخ 23/1/1956 شرعيتها.وإذا كان من البين لكل ذي بصيرة، أن يتأذى مما حوته المادة الأولى في المرسوم بقانون ومشروع القانون من أحكام بهذا الصدد، بما انطوت عليه من خروج عن سرب تشريعات حماية المال العام، إلى إهدار حقوق الدولة، فإن تصدي المجلس لرفض إقرار هذه المادة وإلغاء المرسوم بقانون السالف – حسبما جاء في مشروع القانون البديل الذي قدمته الحكومة – لن يكون كافياً أمام المحاكم، ما لم يرفض المجلس إقرار هذا المرسوم بقانون، فيزول بأثر رجعي ما كان لهذه الأحكام من قوة القانون.المحاكم سوف تطبق المرسوم بقانونوأوجست رسالة النائب العنجري خشيةً من تطبيق المحاكم للمرسوم بقانون، وأساس ذلك أن بقاء هذا المرسوم، ولو لفترة قصيرة، يكسب البعض حقوقاً في ملكية أراضي الدولة، لم يكن ليكتمل الحق فيها لولا صدور هذا المرسوم، وسوف يحتج أصحابها بحقهم المكتسب في هذه الملكية، وقد توافقهم المحاكم على ذلك، وتصدر أحكاماً لصالحهم، على أساس أن هذا المرسوم بقانون قد نشر في الجريدة الرسمية، وقد تحقق علم الكافة به، وأصبحت المحاكم مخاطبة بتطبيق أحكامه، حيث لا تعول المحاكم على ما دار في مجلس الأمة من مناقشات، أسفرت عن الموافقة العامة للمجلس على استبعاد هذا المرسوم من جدول أعماله.الخروج من هذا المأزقورأى النائب/ مشاري العنجرى، في رسالته، أن الحكومة وقد أحالت هذا المرسوم بقانون في الميعاد الذي حددته المادة (71) من الدستور، فإن الزعم، بسقوط المرسوم بقانون لعدم إدراجه في جدول أعمال المجلس في هذا الميعاد، سيدخلنا في مأزق، وأن السبيل الوحيد للخروج منه ولصون المال العام وسداً للذرائع، بدلاً من التمسك برأي قد يكون وبالاً على حماية المال العام وعلى صون حقوق الدولة، هو رفض إقرار هذا المرسوم، فيزول ما له من قوة القانون من تاريخ صدوره، خاصة أن ما نص عليه مشروع القانون البديل الذي قدمته الحكومة من إلغاء المرسوم بقانون سالف الذكر، سيصطدم بحقوقٍ للملكية اكتسبها الأفراد على أراضى الدولة، خلال فترة تطبيق هذا المرسوم، حتى ولو تم إلغاؤه بأثر رجعي، حيث رفضت المحكمة الدستورية في الكويت الاعتداد بالأثر الرجعي الذي تضمنته المادة الثانية من المرسوم بقانون 63 لسنة 1980 لمساس هذا الأثر بحقوق الملكية التي اكتسبها الأفراد على أراضي الدولة، بما يخالف الدستور، (حكمها الصادر بجلسة 11/8/1981- في الطعن 1 لسنة 1981 دستوري).فتحية لصاحب الرسالة التي صان بها المال العام، وأرجو أن يعود مجدداً إلى العمل العام، فما أحوج الكويت إلى أمثاله من رموز الحياة البرلمانية والحكم. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.