صحف إيران تحتفي بصورة سليماني في العراق
قادة شيعة منزعجون من انتقال «الحرس الثوري» إلى دور معلن
طوال سنوات من العمل مع «الثوار الشيعة» في بلدان كثيرة، بقي طابع «رجل الظل» السرّي قاعدة عمل للجنرال قاسم سليماني، مسؤول «حركات التحرر» في حرس الثورة الإيراني، والذي كان يتدخل، بل ويدير خلافات أحزاب المعارضة العراقية، وأصبح بعد سقوط صدام حسين مسؤول ملف العراق، الذي بقي بالنسبة إلى طهران مجرد ملف أمني ساخن ومزعج.ولعل أبرز حديث علني بشأنه حصل مرتين في السنوات الأخيرة، الأولى حين تحدث مقتدى الصدر بتفاصيل عن حوارات دارت بينهما، حين كان سليماني يريد إقناع الزعيم الشاب بالتصالح مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ما أغضب رجل الدين العراقي ودفعه إلى زيارة أربيل والالتحاق بمشروع سحب الثقة عن الحكومة.
والثانية ما كشفه الجنرال ديفيد بترايوس قائد الجيوش الأميركية في العراق حتى 2010، حين أورد في مذكراته أنه تسلّم رسالة نصية عبر الموبايل من سليماني يؤكد فيها أن إيران هي التي تربح اللعبة في العراق. ولكن سليماني بقي على طول الخط بعيداً عن الأضواء ووسائل الإعلام، رغم معرفة الجميع بدوره المؤثر، بيد أن التطورات الأخيرة في العراق ألقت ضوءاً علنياً ومفاجئاً على وجوده الميداني هناك.وفي بداية تهديد «داعش» لبغداد، أخذ مستخدمون مجهولون في «فيسبوك»، ينشرون صوراً للرجل الستيني وهو يتجول في قواطع عمليات شمال بغداد مع الجيش العراقي وعناصر الميليشيات، وقيل إن نشر الصور «تصرُّف غير مسؤول» بدر من شباب غير مدربين، إلا أن صحف إيران الرسمية ومنذ مطلع الأسبوع الجاري، راحت تتعامل - ولأول مرة - بشكل علني مع دور الجنرال المخضرم، فخصصت مانشيتها الرئيسي مرات عدة، للتطورات في جنوب بغداد ونجاح الميليشيات والجيش في صد «داعش» وطرده نحو الأنبار غرباً، و»حماية النجف وكربلاء»، ووضعت الصحف صورة كبيرة تجمع سليماني بضباط عراقيين وزعماء ميليشيات من داخل ساحة العمليات، كان أبرزهم هادي العامري رئيس منظمة بدر، وزير النقل السابق، الذي جلس إلى جانب سليماني. وتتداول الأوساط السياسية في بغداد ملاحظتين على انتقال سليماني من الظل إلى ضوء صارخ، الأولى وفق زعيم سني بارز تحدث لـ»الجريدة»، هي أن إيران تشعر بالخسارة، إذ تشكل ائتلاف دولي لمساعدة العراق ضد «داعش»، بقيادة أميركية، وجرى استبعاد الجهد الإيراني الذي عجز فعلياً عن مساعدة العراقيين في التعامل مع الانهيار العسكري. وتريد طهران صناعة نصر هنا وآخر هناك، وإعلان أنها موجودة بقوة عبر صورة سليماني الميدانية.أما الملاحظة الثانية، كما يسجلها نائب شيعي بارز، فهي أن قادة شيعة يبدون انزعاجهم من بث كل هذه اللقطات لسليماني، فهي تحرجهم مع المحيط العربي الذي يريدون تطبيع العلاقات معه. كما تحرجهم مع واشنطن نفسها، التي صارت تقول لبغداد: أنتم ترفضون وجوداً عسكرياً أميركياً، بينما يتجول حرس الثورة مع ميليشياتكم جنوب العاصمة وشمالها. والأمر محرج أكثر مع القبائل السنية العراقية التي يحاول الشيعة إقناعها بالاصطفاف مع الجيش لمقاتلة «داعش» واستعادة ثلث الأرض العراقية من هذا التنظيم المتشدد، فيما يتساءل السنة عن دور إيران في هذه الخلطة الغامضة ونتائجها السياسية.والتقييم الأخير أن سليماني يتعمد إحراج حلفائه الشيعة، لكي يصعب عليهم القيام بتنسيق مستقل عن الإرادة الإيرانية، مع المحيط العربي والتحالف الدولي، لأن طهران قلقة للغاية من العودة الأميركية القوية للعراق، والحماس الذي تبديه عواصم عربية، على رأسها الرياض، لبدء فصل تعاون مع بغداد يتضمن «إصلاحاً وتغييراً»، وهي عبارات تثير استفهامات كبيرة لدى متشددي «بلاد فارس».وقالت وكالة «فارس» الإيرانية، أمس، إن سليماني هو القائد الفعلي للقوات العراقية التي تقاتل «داعش»، مضيفة أن الشعب العراقي يثق بقواته وليس بالائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن.وأشارت الوكالة الإيرانية شبه الرسمية إلى أن «فيلق القدس» قدّم الدعم الاستشاري واللوجيستي لحماية العراق من الانهيار، ورأت أن «الائتلاف لم يحقق أي شيء سوى مساعدة كردستان وتحرير سد الموصل، خدمة للأكراد ذوي حلم الانفصال عن العراق في دولة مستقلة».