الاتفاق الإيراني - الغربي ودول مجلس التعاون

نشر في 08-04-2015
آخر تحديث 08-04-2015 | 00:01
 د. بدر الديحاني  هناك متغيرات جديدة في الساحتين الإقليمية والدولية تتطلب مواجهتها، أول ما تتطلب، تقوية الجبهة الداخلية بحيث تحتل هذه القضية أهمية قصوى لدى دول «التعاون»، إذ لا يمكن بناء سياسة خارجية قوية، والمحافظة على الأمن القومي ما لم يكن الوضع الداخلي قويا ومتماسكا.

اتفاق "لوزان" بين إيران ومجموعة "خمسة زائد واحد" حول البرنامج النووي الإيراني الذي اقتضته، كما ذكرنا في المقال السابق، مصالح متبادلة بين الطرفين هو أمر طبيعي جدا في عالم السياسة والعلاقات الدولية الذي تقوم علاقاته بالأساس على المصالح الثابتة، لا على الانتماءات العرقية والطائفية أو العواطف والمشاعر الإنسانية المتغيرة.

 علاوة على ذلك  فإن الاتفاق يعتبر مؤشرا قويا على أن هناك ترتيبات جديدة في المنطقة تفرضها المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة التي سيترتب عليها إعادة رسم خريطة التحالفات السياسية، وهذا لا يعني، كما سبق أن ذكرنا، أن أميركا ستتخلى نهائيا عن دول مجلس التعاون، إذ لا تزال هذه الدول تمثل بالنسبة إليها منطقة مصالح حيوية تريد المحافظة عليها.

لهذا فإن الاتفاق الإيراني-الغربي سيشكل منعطفا جديدا في سياسة أميركا في منطقة الشرق الأوسط، وسيكون له تداعيات سياسية-اقتصادية بعضها سيكون سلبيا على منطقتنا، وهو الأمر الذي يفترض أن تستعد له دول "التعاون" حتى لا تكون شعوب المنطقة ضحية جديدة من ضحايا السياسات الأميركية التي ترتكز في الأساس على بسط نفوذ الشركات الكبرى، وفرض قوتها كي تتمكن من تحقيق هدفها الدائم في البحث عن مواد خام رخيصة مثل النفط في منطقتنا، واكتشاف أسواق جديدة والحصول على عمالة رخيصة، وهو ما يتوقع أن توفره لها إيران في المرحلة القادمة.

صحيح أن استقرار إيران سيكون عاملا مهما للغاية في تخفيف حدة التوتر في المنطقة، وعدم استنزاف ثرواتها الوطنية في سباق التسلح والحروب العبثية، ولكن لا ننسى أنها تعاني مشاكل سياسية واقتصادية داخلية قد تطفو على السطح بشكل أكثر وضوحا عندما تتصالح مع "الشيطان الأكبر"، فلا يعود هناك عدو خارجي يهددها باستمرار وتستخدمه كشماعة تعلق عليها جميع مشاكلها الداخلية، وهو الأمر الذي سيكون له انعكاساته السلبية ليس على وضعها الداخلي فقط، بل على دول الجوار أيضا.  

هناك إذاً متغيرات جديدة في الساحتين الإقليمية والدولية تتطلب مواجهتها، أول ما تتطلب، تقوية الجبهة الداخلية بحيث تحتل هذه القضية أهمية قصوى لدى دول "التعاون"، إذ لا يمكن بناء سياسة خارجية قوية، والمحافظة على الأمن القومي ما لم يكن الوضع الداخلي قويا ومتماسكا، وهذا لن يتحقق ما لم تبادر أنظمة دول مجلس التعاون بإجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية حقيقية تُمكّن شعوب المنطقة من المشاركة الفعلية في عملية اتخاذ القرارات وصنع السياسات في كل دولة على حدة، وعلى مستوى مجلس التعاون كمنظمة إقليمية أيضا، فضلا عن تحقق العدالة الاجتماعية والعيش الكريم، فالمتغيرات السياسية الجديدة التي تتزامن مع انخفاض أسعار النفط، تتطلب تغييرا في السياسات القديمة في إدارة الدولة والمجتمع والتي أصبح بعضها مستهلكا، وبعضها الآخر انتهت صلاحيته.

back to top