مع نفاد الأعداد الأولى من «شارلي إيبدو»، التي خسرت كبار طاقمها التحريري في هجوم تبناه «القاعدة»، بعد طرحها بدقائق في أنحاء فرنسا، دعا الأزهر أمس، إلى «تجاهل» رسوم النسخة الأخيرة التي تصور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، دامعاً، الأمر الذي نددت به إيران ومنظمة التعاون الإسلامي.
بعد طرحه بدقائق، نفد أول عدد يصدر من صحيفة شارلي إيبدو بعد الهجوم الدامي على مكاتبها في باريس، والذي أسفر الأربعاء الماضي عن مقتل 10 من قيادييها وشرطيين، رغم طرحها، أمس، نحو 3 ملايين نسخة، مقارنة بستين ألفاً تطبعها في العادة.ونشرت «شارلي» على صفحتها الأولى رسماً للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، على خلفية خضراء وتحت عنوان عريض «مغفور كل شيء»، في إشارة تصالح يتباين مع أسلوبها الاعتيادي اللاذع. غير أن الرسم يصوره، صلى الله عليه وسلم، دامعاً وحاملاً لافتة تقول «أنا شارلي».ودعت مشيخة الأزهر في مصر المسلمين، أمس، إلى «تجاهل» هذا العدد التاريخي الذي أُطلق عليه «عدد الناجين»، مشدداً على أن «العبث الكريه لن ينال من نبي الرحمة والإنسانية، صلى الله عليه وسلم، ومقامه أعظم وأسمى من أن تنال منه رسوم منفلتة من كل القيود الأخلاقية والضوابط الحضارية».«داعش» و«التعاون»وإذ طالب الأزهر، في بيان، كل عقلاء العالم وأحراره بالوقوف ضد كل ما يهدد السلام العالمي، اعتبر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نشر الرسوم «خطوة بالغة الحماقة». وقال التنظيم المتطرف، الذي امتدح منفذي هجمات باريس ووصفهم بـ»الجهاديين الأبطال»، في نشرة لإذاعة «البيان» التابعة له، «في خطوة بالغة الحماقة، تنشر مجلة شارلي إيبدو عدداً جديداً يحتوي على رسومات مسيئة للرسول الأعظم».في النجف، اعتبر الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إياد مدني، بعد لقائه المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، أن إعادة نشر صحيفة شارلي إيبدو الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، «صفاقة».وقال مدني، خلال مؤتمر صحافي، «اطلعنا خلال لقائنا بالمرجع السيستاني على امتلاكنا مركزاً لتقريب المذاهب الدينية أقمناه في مكة المكرمة»، مبينا أن «المرجع بارك هذه الجهود، ودعا إلى تطويرها».القرضاوي و«حماس»وفي الدوحة، ندد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الداعية المصري - القطري القريب من الاخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، بإعادة نشر الرسوم المسيئة، مؤكداً أن هذه الخطوة «ليست من الحكمة» و«تساعد المتطرفين» وتعطيهم «المصداقية بأن الغرب أو غير المسلمين هم ضد الإسلام ورسوله».واعتبر الاتحاد، في بيان، أن يساعد «التطرف والتشدد ويزيد من الاحتقان الشديد والكراهية وعدم الثقة»، و»يسد الطريق على جهود المصلحين المعتدلين، لأن عامة الناس لا يصدقونهم، وإنما يصدقون هؤلاء الإرهابيين الذين يستغلون نشر هذه الرسوم والأفلام المسيئة لأفكارهم المتطرفة». كما نددت حركة «حماس» بإعادة نشر الرسوم المسيئة. وقال الناطق باسمها فوزي برهوم، في بيان، إن خطوة الصحيفة الفرنسية «استفزاز واضح لمشاعر كل المسلمين في العالم، وإصرار على ترسيخ ثقافة الكراهية وتحريض متعمد على العنف ضدهم».وأضاف برهوم أن «هذا العمل مستنكر ومدان بشدة، ويجب أن تتوقف كل حملات التشويه والاستهداف للإسلام والمسلمين في الغرب، والتي يقف من ورائها لوبي صهيوني خطير».تحذير إيرانيوفي إيران، حذرت وزارة الخارجية الإيرانية، أمس، من أن رسوم صحيفة «شارلي» الجديدة «يمكن أن تثير حلقة مفرغة من الإرهاب بسبب إساءتها الى مشاعر المسلمين». وقالت المتحدثة باسم الوزارة مرضية أفخم «إننا ندين الإرهاب في كل أنحاء العالم، لكننا نندد في الوقت نفسه بهذه الخطوة المهينة التي أقدمت عليها الصحيفة»، مضيفة أن «استغلال حرية التعبير السائد حاليا في الغرب، غير مقبول ويجب أن يمنع».ومن جنيف، دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى «الاحترام» المتبادل للقيم، قائلاً «نعتقد أنه ينبغي احترام المقدسات، وطالما لم نتعلم أن يحترم أحدنا الآخر، فسيكون ذلك صعبا للغاية في عالم فيه وجهات نظر مختلفة وثقافات وحضارات مختلفة، لن تتمكن الحضارات من إجراء حوار جدي اذا لم نبدأ باحترام قيم كل طرف وطابعها المقدس».موقف الصحافةوفي حين نددت الصحف الإيرانية برسوم «شارلي» وكذلك فعلت الصحف الأردنية، التي اعتبرت الرسم المسيء «عبثا» و»عدوانية» و»استفزازا غير مبرر» لمشاعر المسلمين حول العالم، امتنع العديد من وسائل الإعلام الأميركية عن نشر الرسومات.ورفضت شبكة «CNN» عرض الغلاف الجديد لـ«شارلي»، معلنة أن عرض تلك الصور يخالف سياسة تحريرها، بينما أكدت وكالة «أسوشيتد برس» أن لديها «سياسة راسخة تقتضي عدم النشر المتعمد للصور المستفزة».واكتفت صحيفة «نيويورك تايمز» بشرح محتويات الصور، بينما قالت شبكة «إن بي سي» الإخبارية إنها ستمتنع عن بث «عناوين أو رسومات قد تعتبر مسيئة أو ذات طبيعية حساسة»، وهو القرار الذي اتخذته العديد من الشبكات بينها «CNBC» و«MSNBC» و«ABC»، وكذلك «هافينغتون بوست»، و»بيزنيس إنسايدر».تعصّب الألمانوفي ألمانيا، التي تجمّع في عاصمتها برلين نحو 10 آلاف شخص مساء أمس الأول، وعلى رأسهم المستشارة أنجيلا ميركل بدعوة من منظمات إسلامية المانية للتنديد بـ «الإسلاموفوبيا»، قال الرئيس يواكيم غوك في كلمة ألقاها من على منصة نصبت أمام بوابة براندبورغ المضاءة بألوان العلم الفرنسي «نحن جميعا ألمانيا، نحن الديمقراطيون بخلفياتنا السياسية والثقافية والدينية المختلفة، نحترم ونحتاج بعضنا البعض».وبعد يوم من وصفها الإسلام بأنه جزء من ألمانيا، قالت ميركل في التجمع، إن حكومتها ستستخدم كل الوسائل المتاحة لها لمكافحة التعصب والتمييز، ووصفت استبعاد جماعات معينة من المجتمع بأنه «يستحق الشجب إنسانياً». وعبرت ميركل عن رفضها الشديد لحركة «بيغيدا» والمتعاطفين معها. وقالت: «ما نحتاج إلى عمله الآن هو استخدام كل الوسائل المتاحة لنا لمحاربة عدم التسامح والعنف».يهود ألمانياوبعد التظاهرة الرسمية الحاشدة، اعتبر المسؤول الأول عن يهود ألمانيا جوزف شوستر مساء أمس الأول أن اليهود الأوروبيين لن يكونوا أكثر أمناً في حال هجرتهم إلى إسرائيل، التي اعتبرها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو «وطناً» ليهود فرنسا. وقال شوستر، ردا على سؤال للإذاعة المحلية، «إن الناس في اسرائيل مهددون بهجمات إرهابية»، مضيفاً: «أنا لا أعتبر أن العيش في إسرائيل أكثر أمنا منه في أوروبا، خصوصا في ألمانيا».مسلمو أميركاوفي الولايات المتحدة، كشف رجال دين مسلمون عن قلقهم أمس الأول من احتمال تعرضهم لأعمال انتقامية وهجمات ورقابة مُشددة بعد اعتداءات باريس، مؤكدين أنهم يتوقعون تنامي التهديدات والإهانات والهجمات التي بدأت عليهم عبر الهاتف والبريد الإلكتروني.وتحدث مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، أحد أكبر الجماعات الحقوقية الإسلامية في الولايات المتحدة، عن «زيادة كبيرة» في عدد الرسائل المعادية للمسلمين التي تلقاها منذ الهجوم.وقال نهاد عوض المدير التنفيذي للمجلس ومؤسسه «من المؤسف أنه كلما وقع هجوم أو هجوم إرهابي في الولايات المتحدة أو حول العالم، فإن المسلمين الأميركيين يدفعون الثمن. قد يمر بعض الوقت، ولكننا نتأثر»، مضيفاً أن «ثمة اتجاها على وسائل التواصل الاجتماعي وبدأ هاشتاغ «اقتلوا جميع المسلمين» ينتشر». وتابع أنه على الرغم من محاولات التواصل والتوعية منذ 11 سبتمبر، فإنه يرى أن حال المسلمين الأميركين «لم يتحسن، بل يسوء».وقال «ثمة انتشار أوسع للكراهية المرضية للإسلام (إسلاموفوبيا) في المجتمع. لا نجد قيادة سياسية أو دينية أو مدنية تحدوها الرغبة في التصدي للكراهية ودرئها.(باريس، القاهرة، طهران، دمشق، برلين - أ ف ب،رويترز، د ب أ، كونا)
دوليات
ملايين «شارلي» تنفد... والأزهر يدعو إلى تجاهل «العبث»
15-01-2015