لم تفاجئني قناة «سينما 1» عندما انفردت بالعرض الأول لفيلم «كلام جرايد»؛ فقد سبقتها إلى هذا قنوات أخرى عرضت عدداً من الأفلام على شاشاتها من دون المرور على دور العرض السينمائية، مثلما حدث مع فيلمي «كابتشينو» و«بلد البنات»... وغيرهما من أفلام أيقن الموزعون أنها غير جماهيرية، وستكون سبباً في تحقيق خسائر فادحة في حال عرضها تجارياً فما كان منهم سوى أن اكتفوا ببيعها لأصحاب القنوات الفضائية، وحكموا عليها بالإعدام «المعنوي»؛ نظراً إلى أن الوثائق والمراجع لا تعترف سوى بالأفلام التي تُعرض في الصالات التجارية!

Ad

يحكي فيلم «كلام جرايد» قصة «سيف أبو اليزيد» (فتحي عبد الوهاب) مقدم البرامج الشهير، والمحرر «المجهول» للزاوية الصحفية «طبيب القلب»، الذي قدمه الفيلم بوصفه «دون جوان» و»زير نساء» يؤمن بأن «لكل امرأة المفتاح الذي يُخضعها لإرادة الرجل»، لكنه يكتشف أنه عاجزٌ عن التوصل إلى مفتاح شخصية «ملك» (علا غانم)، التي عادت من أميركا لتشارك «ياسمين» (ميرنا المهندس) تقديم البرنامج التلفزيوني «كلام جرايد»، الذي ينتمي إلى نوعية برامج «التوك شو»، وتمثل بالنسبة إليه تهديداً كبيراً على الصعيد المهني!

كتب لؤي السيد قصة وسيناريو الفيلم وحواره، الذي أخرجه محمد سعيد، في تجربته الأولى كمخرج للأفلام الروائية الطويلة، وذلك بعد عمله في إخراج «الكليبات» الغنائية، بأسلوب عقيم للغاية أدى إلى تقسيم الأحداث، بالتساوي تقريباً، بين تجربة «سيف» العاطفية، والمأساة المفتعلة للمطربة «نادين» (سوار)، التي مات أبوها، وترك أمها وأشقاءها أمانة في عنقها فاتجهت إلى الغناء، وانتهز المنتج الجشع «فرهود» الفرصة، ووقع معها عقد احتكار تضمن شرطاً جزائياُ قدره 6 مليون جنيه في حال فسخه؛ فما بين رغبة «سيف» المستميتة للإيقاع بمنافسته «ملك»، وزيارات «نادين» المتعددة لمكتب المحامي المعروف «الشلشلموني» (لطفي لبيب) لإنقاذها من سطوة المنتج المستغل، سارت الأحداث برتابة منقطعة النظير لم يُفلح الزج بشخصيات هزلية؛ مثل المؤلف والملحن «البهجهوني» (حسن عبد الفتاح)، وثقيلة الظل مثل: الأم المتحذلقة (رجاء الجداوي) والمذيعة «فادية» (إيمان سيد) التي تبحث عن نفسها، أو افتعال قضايا حيوية، كالانتصار لعمل المرأة، والمساواة بينها والرجل، في الحد من سخافتها، بعدما تحول الفيلم إلى سهرة تلفزيونية مُضجرة زادت افتعالاً واضطراباً وارتباكاً بعدد من الحكايات الفرعية عن المحام «مراد» (إدوارد) صديق «سيف»، الذي وقع في غرام «نادين»، وزميله في المكتب «شريف» (محمد سليمان)، الذي أحب «ياسمين» (ميرنا المهندس)، والراقصة الشعبية «سوسو متاعب» (نادية العراقية)، التي تزوجت المنتج يوماً، وتذكرها السيناريو للإيقاع به، ولاستعراض بيتها المكتظ بالفتيات في بدل الرقص العارية!

«كلام جرايد» عنوان لا علاقة له بأحداث الفيلم، لكنه مجرد عنوان لبرنامج، فأزمة الفيلم، في نظر كاتبه، أن بطله أخفى حقيقة أنه محرر «طبيب القلب» كي يستغله في التغرير بالفتيات، وإقامة علاقات غرامية معهن، بينما كان بمقدور الكاتب أن يصنع موضوعاً مثيراً لو انطلق من فكرة التوظيف السيئ لبعض البرامج في تشويه صورة الناس، والإساءة إلى سمعتهم، وتصفية الحسابات الشخصية، من دون الدخول في «متاهات درامية» عن الطفل «يوسف» (مارك إدوارد) الذي ينتهي الفيلم من دون أن تعرف السبب في وجوده، إلا استدرار دموع الجمهور العاطفي من خلال المشهد العجيب لموته، وهو يلعب كرة القدم، بل بلغ العبث مداه في مشهد ذهابه إلى صالة «ديسكو» ليهنئ «ياسمين» بعيد ميلادها!

ما أعلمه، على وجه اليقين، أن النجم محمود حميدة صور مشاهد من الفيلم مع علا غانم، لكنني فوجئت عند مشاهدة النسخة النهائية أنها تخلو تماماً من أي مشهد له، وكأنه طالب بحذف المشاهد التي صورها، فما نشر عن مشاركته في البطولة، وصوره التي احتفظ ببعض منها في أرشيفي الخاص ليس «كلام جرايد»، لكنه استشعر في ما يبدو أنه بصدد «فضيحة» أو «كارثة»، في أضعف الإيمان، فآثر الانسحاب من دون تردد، وكان صاحب بصر وبصيرة، فما توقعه حدث، ولولا كاميرا وائل خلف، التي أنقذت الفيلم من آثار وخيمة، لانتهت التجربة إلى مصير أكثر قسوة من رفض عرضها في الصالات التجارية؛ فالتمثيل، ولا أستثني أحداً، في أسوأ حالاته، ولا يمكن التصديق أن ياسمين رئيسي، هكذا كتبوا اسمها في العناوين، التي قدمها المخرج بوصفها الوجه الجديد هي نفسها بطلة فيلم «فتاة المصنع»، التي فازت عن دورها فيه على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان دبي السينمائي!

في أكثر من مناسبة سجلت استيائي، ورفضي، ظاهرة عرض الأفلام السينمائية في القنوات الفضائية قبل عرضها في الصالات التجارية، لكن يبدو أنني كنت مخطئاً فما شاهدته في «كلام جرايد» يدعوني إلى إعادة النظر في موقفي؛ لأنها ليست أفلاماً!