خطأ حسني مبارك، وليس خطيئته، أنَّه ترشح لانتخابات آخر ولاية له، فتمت إزاحته تحت ضغط الشعب المصري بمساندة القوات المسلحة.

Ad

 ويقيناً أنه لو اكتفى بالسنوات التي حكم خلالها قبل هذه الولاية الأخيرة، لحظي باحترام شعبه مثله مثل جمال عبدالناصر، ولسجَّل التاريخ أنه أحد أبطال أرض الكنانة.

 فهو ومع أنه كان قائد سلاح الجو ويحمل رتبة عالية، فإنه قاد أول ضربة جوية في حرب أكتوبر العظيمة، التي لولاها ولولا البطولات العسكرية التي اجترحت فيها، لكانت سيناء الآن لاتزال محتلة، ولكانت قناة السويس لاتزال معطلة، ولبقيت مصر خلال أكثر من 40 عاماً الماضية لاتزال تخضع اقتصادها وإمكانات شعبها لحالة الحرب المستمرة عملياً، ليس منذ عام 1967، بل منذ عام 1948 وقبل ذلك.

ثم إنه على كل منصف يعترف للآخرين بإنجازاتهم، حتى وإن كان يختلف معهم ألاَّ يغيب عنه أن كل هذه النهضة العمرانية التي تتحدث عنها كل هذه المدن التي تحيط بالقاهرة، وكل هذه المنتجعات التي ترقى إلى مستوى مثيلاتها في أهم الدول السياحية في العالم، ومن بينها منتجع شرم الشيخ الذي تحول إلى مركز سياسي دولي وعربي، قد تمت في عهد حسني مبارك.

 كذلك، وفوق هذا فإن الجيش المصري، الذي هو فخر الأمة العربية، بقي تحت السلاح واستمر تحديثه، ولايزال هذا التحديث مستمراً ومتواصلاً، لأن عقيدته القتالية هي مواجهة: "العدو الصهيوني"، وليس احتراف إسقاط الأنظمة والانقلابات العسكرية، وقهر شعبه وحماية الحكام المستبدين الذي بنوا سنوات حكمهم الطويلة على أجساد "رفاقهم".

كان على حسني مبارك ألاَّ يخْضَع لنزوات أفراد عائلته، و"الزُّمر" الملتفة حوله، وكان عليه أن يفعل ما فعله الجنرال فرانكو الذي أكمل إنجازاته الاقتصادية والاجتماعية أيضاً، بعدما بلغ من العمر عتياً، وقبل أن يفارق هذه الحياة الدنيا الفانية بوضع إسبانيا على بداية طريق الديمقراطية، والذي حافظ على وليّ عهد الملكية الإسبانية، إلى أن حانت لحظة استئناف هذا العهد، فأصبح نظام هذا البلد مستقراً ومبنياً على مبدأ تداول السلطة، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.

لكن ومع أن هذا لم يحصل فإنه ما كان يجب أن يهان هذا الرجل، الذي برَّأه القضاء المصري المشهود له بالنزاهة والكفاءة والاحترافية، والذي كان أحد أبطال مصر، بل وكان على الإخوان المسلمين لو أنهم يرون أبعد من "أرنبات أنوفهم" أن يقتدوا بـ"نيلسون مانديلا" العظيم، الذي عندما انتصر على حكم البيض الـ"أبرتهايد" لم ينْصُب أعواد المشانق، ولم ينشئ ميادين للإعدامات، ولم يفتح أبواب السجون، بل رفع شعار "التسامح"، وغلَّب مقولة عفا عما سلف، فكانت هذه التجربة التمازجية بين البيض والسود التي تعتبر أهم تجارب التاريخ على الإطلاق.

لقد كان الإخوان المسلمون شركاء لحسني مبارك، هذا الذي سارعوا بمجرد اقترابهم من الحكم والوصول إليه إلى السعي لخنقه بأيديهم، والتنكيل به بإخضاع محاكمته إلى الثارات السياسية، وليس إلى قواعد العدل وحقائق الأمور.

 لقد كانوا يتمثلون في برلمان عهد ما قبل الثورتين الأخيرتين بكتلة معقولة وفاعلة، ويومها لم يُشهِروا لا في وجه مبارك ولا في وجه السادات اتفاقية الغاز مع إسرائيل، ويجب أن يقال الآن هو إن رئيسهم محمد مرسي لم يحاول لا مراجعتها ولا إلغاءها خلال عهده القصير الذي حوّل فيه الدولة المصرية العظيمة إلى شكل "كاريكاتوري"، والذي لو أنه استمر لكان هذا البلد يعيش مرحلة دكتاتورية دينية لا يشبهها إلا استبداد هذا النظام الذي يقيمه "داعش" في جزء من سورية وفي جزء من العراق.

إنه عدد كبير وهائل أن يسقط خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير مئتان وثمانية وثلاثون قتيلاً، مع أن عدد سكان مصر اقترب من التسعين مليوناً، ومع أن هذا العدد بالنسبة إلى الجرائم لا يساوي إلاَّ ضحايا غارة واحدة بالبراميل المتفجرة لنظام بشار الأسد، وهنا فإن السؤال الذي برأت المحكمة المصرية العادلة حسني مبارك على أساسه هو: ومن قال إن هذا الرجل هو الذي أمر بقتل هؤلاء؟!.

 لقد كان الحابل يختلط بالنابل، وثبت أن الحرامية والقتلة الذين فروا من السجون قد انضموا إلى ميدان التحرير الذي كان يفيض بالثوار الحقيقيين، وأن هؤلاء المجرمين والقتلة كانوا يوجهون رصاص بنادقهم و"خراطيشهم" إلى هؤلاء الثوار وإلى الجنود المصريين على حدٍ سواء!!

ولذلك فإنه لابد من القول: يحيا العدل.. ويعيش القضاء المصري النزيه.