ما قام به رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من تغييرات في القيادات العليا للجيش العراقي شملت ستة وثلاثين ضابطاً كبيراً عزز الثقة لدى العرب المعنيين ولدى العراقيين بأنَّ هناك انقلاباً فعلياً على الواقع الذي بقي سائداً منذ إطاحة نظام صدام حسين في عام 2003، والذي أوصل هذا البلد إلى ما وصل إليه من انهيار ومن تمزقٍ ومن فسادٍ استشرى في مفاصل الدولة وطال حتى الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.
إنها خطوة هامة جداً في الاتجاه الصحيح، وهي خطوة تستدعي الاستمرار في إعادة بناء دولة عربية مركزية، ما كان من الممكن أنْ تصل إلى ما وصلت إليه لو أن الذين ساروا في ركب بول بريمر وشاركوه مسؤولية تلك المرحلة الانتقالية لم يكونوا إقصائيين وطائفيين، ولو أنْ رئيس الوزراء (الراحل) نوري المالكي لم يكمل ما بدأوه وأخطره "فَرْط" الدولة العراقية و"فرط" جيشها والإيغال في السلب والنهب وتقاسم الغنائم.وهنا فإن ما يجب تسجيله والتأكيد عليه هو أنه إذا كان هناك فضل في هذه الخطوة الهامة جداً غير فضل حيدر العبادي فإنه لآية الله العظمى السيد علي السيستاني الذي هو أول من بادر إلى قرع جرس ما وصل إليه العراق من انهيار وغرق في الفوضى والفساد، والذي هو الداعم الفعلي لرئيس الوزراء حيدر العبادي للإقدام على خطوة يحتاج الإقدام عليها إلى شجاعة فائقة وإلى "مغامرة" لا يمكن أن يقدم عليها إلا من يضع مصلحة بلد ومستقبله فوق مستقبله الخاص ومصالحه الخاصة.إنَّ ما جرى أمس الأول الأربعاء يعتبر تحولاً "استراتيجياً" كبيراً وخطيراً ولذلك فأغلب الظن أن المتضررين ومن يقف خلفهم وأولهم نوري المالكي سيحاولون ليس إفشال هذه الخطوة بل التخلص من هذا الرجل الشجاع حيدر العبادي، ومن التيار الذي يسانده وأيضاً من السيد علي السيستاني الذي نتمنى لو أن كل المراجع الشيعية لها نفس موقفه ولها نفس التزامه ونفس اتساع إدراكه ووعيه بالتحديات التي تواجه دول هذه المنطقة بلا استثناء دولة واحدة.هناك مسائل معقدة كثيرة بانتظار أن يصلها دور ما يفعله حيدر العبادي، ومن بينها علاقات العراق مع أشقائه العرب في دولهم القريبة والبعيدة، ومن بينها أيضاً، بل في مقدمتها، وضع حدٍّ للتدخل السافر في شؤون سورية الداخلية، حيث لا تزال الأسلحة تتدفق عبر الأراضي والأجواء العراقية إلى هذه الدولة الشقيقة وهناك عشرات التنظيمات الطائفية العراقية التي تقاتل إلى جانب بشار الأسد في حربه الظالمة على الشعب السوري.وتجنباً لأي سوء فهم فإنه لابد من القول إنه غير مطلوب من العبادي أن يدير ظهره لإيران فهذه خطوة غير ممكنة وغير مطلوبة إطلاقاً، والمطلوب أن تكون العلاقات بين العراق وهذه الدولة "الشقيقة" المجاورة علاقات دولة بدولة بلا أي شكل من أشكال التجاوز وبدون أن تتدخل إحداهما في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى، وهكذا فإن الرهان على رئيس الوزراء العراقي الجديد لا يقتصر على العراقيين من أبناء هذا الشعب بل يتعداه إلى كل أبناء الأمة العربية.
أخر كلام
خطوة عظيمة وواعدة قام بها العبادي!
14-11-2014