وضع مؤسسات المجتمع المدني مع الدولة في الكويت له تاريخ طويل من الكر والفر، ومحاولات السلطة في إلحاقها بها واستئناسها لخدمة توجهاتها، كما أن هناك الكثير من أصحاب المصالح الخاصة والفئوية والسياسية استغلوا تلك المؤسسات من جمعيات نفع عام وأندية في تحقيق غاياتهم، ورغم التعديل الذي تم مؤخراً على قانون جمعيات النفع العام مازالت هناك ثغرات كبيرة في القانون وإدارة تلك المؤسسات تتم بشكل ذي هيمنة حكومية طاغية على ذلك القطاع المهم في بناء الدول في عصرنا الحالي.

Ad

وفي هذا السياق جاء قرار وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل والتنمية هند الصبيح بحل جمعية الشفافية الكويتية، بناء على توصية جاءت بالأساس من مجلس الأمة، وسببها انزعاج النواب من نقد الجمعية لأدائهم، كما ذكر النائب د. يوسف الزلزلة في تصريح صحافي عقب قرار الحل، وبالتأكيد فإن حل مؤسسات المجتمع المدني بسبب انتقادها لأوضاع البرلمان وأعضائه هو عملياً يمثل ممارسة لهدم الكيان الديمقراطي لأي دولة دستورية - ديمقراطية.

ورغم ما ذكر من مخالفات على الجمعية، فقد كان لها دور مهم في ما يتعلق بقضايا الفساد وكشف الذمة المالية ونزاهة العملية الانتخابية وأداء الحكومة... إلخ، وهو جهد لا يمكن شطبه بجرة قلم، وكان الأجدر أن يتم التصدي لمخالفات الجمعية عبر قرارات متدرجة، وإن لم تكن تلك الإجراءات موجودة في القانون فإنه كان يجب أن تتقدم الحكومة بتعديلاتها على القانون قبل أن تلغي وجود جمعية الشفافية.

كما أن من ادعى من النواب أن تقارير الجمعية قد تجنت عليهم فإن ساحة القضاء مفتوحة لاستقبال قضاياهم، كذلك إن كانت تقارير الجمعية تسيء لسمعة الدولة فإن القضاء أيضاً هو المرجع لكل ذلك حتى إنه يمكن استصدار قرار الحل في حال ثبوت كل تلك المخالفات بقرار قضائي له حجته وخال من روح التوجه الحكومي السياسي والانتقام البرلماني.

والمفارقة في قرار حل جمعية الشفافية أن العديد من المخالفات الموجهة إليها تنطبق على أكثر من جمعية نفع عام قائمة من أهمها وأشهرها جمعية الإصلاح الاجتماعي التي أصدرت عدة بيانات سياسية عن الوضع المحلي والعربي والدولي، ولديها سجل حافل في العمل السياسي والانتخابي، ولا تقدم بعض البيانات الخاصة بجمعيتها العمومية وأمور أخرى تتعلق بتشكيل مجالس إدارتها، ومع ذلك فهي محصنة من الحل والمحاسبة، وهي ممارسات حكومية تؤكد أننا مازلنا في بدايات مشوارنا الطويل لخلق مؤسسات مجتمع مدني مستقل في الكويت بعيداً عن الاستغلال والتوجيه من السلطة، وكذلك أصحاب النفوذ والمصالح الحزبية والفئوية والشخصية.