طوال سنوات، تمكّن المرجع الأعلى في النجف بسياسته الحذرة وتمسكه بتقاليد الحوزة العلمية القائمة على التحوطات في الغالب، من انتزاع احترام واسع وتعزيز نفوذه ليس بين أتباعه فحسب، بل في المحيطين الإقليمي والدولي.
ورغم أن ساسة وناشطين ومفكرين عراقيين ظلوا لسنوات يحذرون من دور الأحزاب الدينية في الحياة الدستورية، فإن آية الله علي السيستاني عثر على دور يبدو مقبولاً من أغلب الأوساط النافذة، وخصوصاً منذ ٢٠١٠ وخلال الولاية الثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فالمرجع الشيعي صار أبرز معترض على رئيس الوزراء الشيعي أيضاً، وبذل جهداً حاسماً في تقييد سياساته، الأمر الذي انتهى بالإطاحة بزعيم حزب الدعوة وتدشين مرحلة جديدة مع حكومة حيدر العبادي.وحتى الآن تعرب الصالونات السياسية عن اعتقادها بأن العبادي لا يتصرف كقيادي في حزب الدعوة، بل هو شديد الحرص على تمييز نفسه عن المالكي، ولو بإجراءات تظل بطيئة.ولا يعود التزام العبادي إلى قناعاته الشخصية أو لكونه «ليبراليا»، فهو جزء من حزب ديني بلا تقاليد تدعم الديمقراطية والنظام التعددي، لكنه يتبنى مسلكاً معتدلاً لمعرفته بضرورة أن يتماشى مع النهج الذي يريده السيستاني، الذي ينقل عنه أنه قال بوضوح للزعماء الشيعة إن «العدالة» هي الطريق الوحيد الذي يتيح للأحزاب الشيعية الاحتفاظ بنفوذها في السلطة ومقبوليتها إقليمياً ودولياً، وحذّرهم من مصير يشبه ما يحيط بالرئيس السوري بشار الأسد، وهو موقف أجبر طهران نفسها على تقبّل التغييرات المتلاحقة التي تجري في العراق، من دون تنسيق كاف معها، في خرق لتقليد شاع طوال سنوات، مكتفية بنفوذها بين بعض الميليشيات في ساحات القتال، وهو ما يكشف مفارقة كبيرة تعكس الصراع الخفي بين مسار السيستاني ورغبات الإيرانيين في بغداد.وعلى هذا الأساس يدرك الأكراد والسنّة خطورة الدور الذي يؤديه المرجع الذي يصطدم لأول مرة بهذا المستوى مع الإيرانيين.ويعلم ساسة أربيل ونينوى أن الأحزاب الشيعية قد تعجز عن إبرام صفقات تصالح كبيرة مع السنّة والأكراد، وخصوصاً في ملفات النفط وتسليح العشائر ومنح صلاحيات لامركزية للسنة، لأن طهران ستظل متخوفة من هذه الخطوات، لأسباب إيرانية أحياناً وسورية وتركية في أحيان أخرى.لكن الطرف الكردي والسني يأمل أن ينجح السيستاني في كبح نفوذ طهران داخل هذه الملفات، والعمل مع عمار الحكيم ومقتدى الصدر كأبرز الزعماء الوسطيين الشيعة بنحو ٨٠ مقعداً في البرلمان، لإبداء المرونة مع بقية المكونات العراقية.ولا يخفي الزعماء الشيعة قناعتهم بضرورة تسوية كل القضايا الحرجة مع بقية الأطراف، لكنهم يتخوفون من «الدعاية المضادة» التي يمكن أن تعمل على تأليب الجمهور الشيعي ضد الصدر والحكيم والعبادي نفسه، وهي دعاية مدعومة من طهران والموالين لها وخاصة الميليشيات، وحتى بعض أجنحة حزب الدعوة، وستكون فحواها اتهام الزعامات الشيعية بأنها تقدم «تنازلات مذلة» للسنة والأكراد، وهذا عامل يسهم في تأخير الخطوات التصالحية الحاسمة.وفي هذا الإطار لا يبدو من الممكن ضبط إيقاع الجمهور الشيعي وحمايته من «الدعاية الإيرانية المضادة» إلا عبر مواقف واضحة تصدر عن السيستاني، وحوارات يرعاها بنفسه، وأيضاً تنازلات تقدمها أربيل والأحزاب السنية، لتشجيع النجف على تحقيق تقدم في هذا الإطار، ورغم أن المعلومات لا تتسرب في العادة من لقاءات السيستاني بزعماء الأكراد والسنّة، فإن العارفين يؤكدون أن هذه القضية أخذت مساحتها من النقاش حين استقبل المرجع أخيراً، كلا من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ورئيس البرلمان سليم الجبوري.
آخر الأخبار
تصالح العراقيين بحاجة إلى السيستاني
18-11-2014