آداب الحوار تحمي الأبناء من التعصب والانطواء

نشر في 24-01-2015 | 00:01
آخر تحديث 24-01-2015 | 00:01
يظن بعض الآباء أن الحوار يقتصر على الكبار، في حين يؤكد خبراء النفس والتربية أن حرمان الأطفال من التعبير عن أنفسهم، يصيبهم بأمراض عضوية وعصبية، ويدفع بهم إلى أفكار مشوشة، وميل إلى الانطواء، بينما يحتاج الطفل أو المراهق إلى تنمية قدراته العقلية، والتفاعل الإيجابي في المنزل والمدرسة والمجتمع.
تلفت الدكتورة ميسون الفيومي، متخصصة في العلوم السلوكية وفن الإتيكيت، إلى أن تربية الأبناء علم وفن، وتحتاج إلى مهارة عالية  للتعامل مع كل مرحلة عمرية، معتبرة الطفولة إحدى أهم المراحل في حياة الإنسان، فيها تتكوّن شخصية الطفل، وقدرته على التعبير عن ذاته، وحواره مع الآخر، واكتشاف مواهبه في سن مبكرة.

تضيف: «لكل مرحلة عمرية خصائص نفسية وجسدية واجتماعية تحتاج إلى إشباع حتى يحيا الإنسان حياة سعيدة، من هنا يجب تربية الأبناء على الحوار الهادئ والبعيد عن التعصب والتعنت، القائم على الإقناع عبر تقديم حجج وبراهين لإظهار الحقائق، واتباع أساليب تتفق مع قدراتهم العقلية».

تتابع: «على الآباء تجنب استخدام التهديد والوعيد، وأساليب العقاب والإساءة اللفظية أو الجسدية التي تؤثر في الاتزان النفسي والانفعالي للأبناء، وتنمي فيهم صفات العند والمشاعر العدوانية، وعدم الإنصات لكلام الآخرين، كنوع من الاحتجاج السلبي في التعبير عن الذات.

تنصح الفيومي بتدريب الأبناء في مرحلتي الطفولة والمراهقة على أدب الحوار ومهاراته، من خلال عقد اجتماع أسبوعي بالمنزل، مناقشة موضوع ما يهم الأسرة، إتاحة الفرصة للأطفال لعرض مشاكلهم من دون مقاطعتهم، منحهم حرية إبداء الرأي، تقويم أخطائهم من دون انفعال أو ترهيبهم من العقاب، مشيرة إلى أن  الصدق أقصر الطرق للإقناع، وأن الحوار الموضوعي ينمي قدرات الأبناء العقلية والجسدية، وينشئ جيلاً قادراً على العمل والتفاعل مع الآخرين.

تواصل إيجابي

 

لا تقتصر التربية على جوانب السلوك والأخلاق والتفوق الدراسي فحسب، في رأي الخبير التربوي الدكتور وليد نادي، بل هي تشكيل لوعي الطفل، إثرائه بالمعرفة والثقافة، تنشئته على التواصل الإيجابي مع مجتمعه والقدرة على الحوار وإبداء الرأي في كل ما يدور حوله.

يضيف أن الطفل حين يولد تبدأ حواسه في التعرف على العالم من حوله، وحين يصل إلى مرحلة التكلم تتهيأ ذاكرته للاستيعاب ومحاولة الفهم ولفت الانتباه إليه، وبدخوله المدرسة يكتسب معارف جديدة، ويختلط بأقرانه، ويتبادل الأفكار معهم، وليس طبيعياً حرمانه من التعبير عن ذاته.

يحذر نادي من تداعيات حرمان الطفل أو المراهق من المشاركة في الحوار، وكبت مشاعره وانفعالاته، ما يدفعه إلى الانطواء، وقد يصيبه ذلك بأمراض عصبية ونفسية، تلازمه طيلة عمره، ويميل إلى التعصب الأعمى للأفكار الخاطئة، والعنف والسلوك العدواني.  

يضيف: «كذلك يؤدي غياب الحوار إلى سيطرة القلق والخوف من النقاش، وإلى رهاب «فوبيا» من التعبير عن الذات، يتحول، بمرور الوقت، إلى قلق مزمن وسلبية وعزلة، فضلا عن تبني أفكار مشوشة، في بعض الحالات، وضعف الثقة في تقدير الأمور».

يشدد نادي على أهمية الإقناع وليس التلقين، وإعطاء الطفل فرصته كاملة لطرح تصوراته وتساؤلاته المختلفة، من خلال حوار هادئ، إنصات جيد من دون مقاطعته، تعزيز ثقته بذاته، تحفيزه على التفوق الدراسي.   

 ينصح نادي بتوفير جو أسري مناسب، من خلال التعامل باحترام، تقدير الأفكار والآراء المختلفة لأفراد الأسرة، إتاحة فرصة للأبناء للتعبير عن ذواتهم، تعزيز قدراتهم على التفكير النقدي الاستقلالي، متابعة أنشطتهم على مواقع الإنترنت، إرشادهم للتعامل الأمثل مع «الميديا»، تنمية مواهبهم العلمية والأدبية.

مهارات سلوكية

يؤكد د. عطية عتاقي، استشاري الأعصاب والطب النفسي، على أهمية الحوار الأسري، ومتابعة الوالدين الدائمة لأولادهم، وإرشادهم لمواجهة ما يعترضهم من مواقف، يقول: «لا يعني ذلك تقييد حركة الطفل، اتخاذ قرارات نيابة عنه، التحكم في كل تصرفاته، بل إدراك حدود التدخل من دون مبالغة».

يضيف: «من حق الأهل متابعة أبنائهم والإصغاء إليهم، تعزيز ثقتهم بأنفسهم، أداء دورهم التربوي في دعم الاستقرار الأسري، تنمية مهاراتهم السلوكية، حمايتهم من الأمراض العصبية والنفسية، مثل التوتر والاكتئاب والقلق.

يتابع: «على الوالدين إتاحة الحوار لأطفالهما في مرحلة المراهقة، وتحفيزهم للتعبير عن أفكارهم، حتى يعتاد الطفل ذلك ويعتبره جزءاً من الحياة. يجب منح المراهق حرية أكبر من الطفل، ليبدأ مرحلة الاعتماد على النفس، والقدرة على التعامل مع الآخر.

 يحذر عتاقي من تداعيات فقدان التواصل بين الآباء والأبناء، أقلّها إصابة المراهق بضعف الشخصية وقلق من المستقبل، فيبحث عن أصدقاء ينصتون إليه ويشاركهم سلوكياتهم سواء كانت صائبة أو خاطئة، من هنا تشديده على ضرورة متابعة الوالدين تصرفات المراهق  بطريقة عقلانية لا تثير توتره، وحثه على الحوار الهادئ والعقلاني. «مع أن هذه المتابعة يجب أن تكون منذ الطفولة المبكرة، إلا أن ذلك لا يعني أن ثمة وقتاً تعتبر فيه متابعة الأبناء متأخرة».

يلفت إلى ضرورة تنمية قدرة الطفل على الحوار منذ الصغر، وتركه يختار القميص الذي يرغب في ارتدائه واللعبة التي يرغب في ممارستها، ومنحه الحرية في ترتيب غرفته... بهذه الطريقة  سيتعلم أن الخيارات  لها نتائج وعواقب، ما سيجعله قادراً على اتخاذ قرارات جيدة. 

back to top