يتفق الخبراء الأميركيون والعراقيون على أن تنظيم «داعش» هو إعادة إنتاج لفرق العمليات الخاصة التي طوّرها نظام البعث في تسعينيات القرن الماضي، وإعادة تنظيم صفوفها لا وفق عقيدة «فدائيي صدام» وقوات الحرس الجمهوري، بل استناداً إلى سلفية جهادية متطرفة، أنتجت قيادة عسكرية بصيغة مزاعم الخلافة الإسلامية، ومتطوعين من كل بلدان العالم.
ورغم اللمسة» البعثية» الواضحة في هذا التنظيم، فإن أبرز مَن يقاتله ويحول دون تقدمه في المناطق السنية، هم بعثيون أيضاً، سواء كانوا ضباطاً في الجيش الحكومي أو مقاتلين في تشكيلات العشائر والمتطوعين السنة.وإذا أمكن للمراقب الحديث عن القوة القتالية لسنّة العراق، ففي وسعه القول إن «الجناح العسكري» للطائفة معظمه كان جزءاً من المؤسسة العسكرية والأمنية السابقة، أي أنه مشمول بإجراءات الاجتثاث وفق قانون يعرف بـ«المساءلة والعدالة» الذي يُطبَّق منذ 11 عاماً في العراق.وتعهّدت حكومة حيدر العبادي الإصلاحية في منهاجها الوزاري، بإعادة النظر في قوانين عديدة تقيد دور النخبة السنية العسكرية والمدنية في البلاد، لكن الإصلاحات تتباطأ والنقاشات تزدحم على طاولة الفرقاء السياسيين والجميع مشغول هذه اللحظة بأزمة أسعار النفط التي تمنع بغداد من الوفاء بالاستحقاقات الحربية والمدنية.ووسط كل هذا فوجئت الأحزاب السنية بصدور أوامر طرد لعشرات الضباط السنة الذين يقاتلون «داعش» على خطوط النار هذه اللحظة، بل إن بعض المشمولين بالطرد، جرحى يتلقون العلاج في المستشفيات، إثر مشاركتهم في الحرب ضد «داعش».«اتحاد القوى» وهو أكبر كتلة تمثل المحافظات السنية، قال إن المشكلة تتجاوز نحو 200 ضابط مجتث، لأن آلاف المقاتلين السُّنة في صفوف الجيش والشرطة وتشكيلات المتطوعين، ينظرون بارتياب شديد إلى هذه الخطوات ويسألون قادتهم عن جدوى المشاركة في الدفاع عن نظام سياسي يطرد الجنرالات السُّنة، مقابل صعود سريع للميليشيات الشيعية، وظهور علني لجنرالات إيرانيين في ساحة الحرب.حكومة العبادي لم تعلّق حتى الآن على ذلك، لكن محافظ تكريت أصدر تصريحات مقتضبة تحاول طمأنة جمهوره، دون أن يشير إلى اتصالاته مع الحكومة، أكد أن ما حصل سيجري إصلاحه في بحر أسبوع.لكن القضية أعقد من ذلك، حتى لو جرت إعادة الضباط المطرودين، وبينهم جنرالات لقوا حتفهم في الحرب قبل شهور، فإن سنّة العراق يطلبون موقفاً واضحاً يمهد لتسوية نهائية لهذه الحكاية، وبدونها فإن أي مسؤول سني مدني أو عسكري، قد يتعرض للطرد في أي لحظة، ولو بتهمة «الترويج» لفكر البعث، وهي تهمة جرى تطبيقها على أشخاص غير بعثيين امتدحوا أحياناً بعض سياسات صدام، وهو امتداح جاء في سياق الصراع اللفظي والانفعالات اليومية في الحياة السياسية، والاستقطاب الذي يجعل ساسة من الخط الثاني يتصارعون حول تاريخ الصراع بين الشيعة والسنة وحروب صدام حسين مع إيران، وأشياء من هذا القبيل.وينقسم الشيعة حول تسوية هذا الأمر، بين معتدلين يدعون إلى طي هذه الصفحة، بينهم أحمد الجلبي القيادي البارز الذي كان رئيس أول هيئة لاجتثاث البعث، إذ يقول إن التنظيم الحزبي تلاشى والإجراءات حققت غاياتها، ولا داعي لأن تستمر المشكلة، بينما يبقى شيعة قريبون من طهران حريصين على استخدام الاجتثاث كطريقة للتحكم المستمر في القادة السنة، وهو جوهر الصراع السياسي في العراق، الذي يحرج حيدر العبادي على خطوط التماس الصعبة مع «داعش».
آخر الأخبار
«البعث» يُحرج العبادي على الجبهة مع «داعش»
24-01-2015