طالما رفضت إليسا أي لجوء إلى {التجريب} في أعمالها المصوَّرة، ذلك حفاظاً على صورتها المعروفة. حتى إنها ألغت أحد كليباتها لأن مخرجه حاول تصويرها بإطار جديد. لكنها منذ قدَّمت نشيد {موطني} ركبت موجة التغيير، محاولةً الخروج عن رتابتها. ضجَّت يوم إطلاق النشيد مواقع التواصل الاجتماعي منتقدةً المغنية التي أدَّت {موطني} العروبية بصوت زادته أنوثة مخارج حروف {لبنانية}، وتحدَّث البعض عن أن إليسا صاحبة عقلية عنصرية تريد أن تفرض على الآخرين لهجة خاصة.

Ad

و{موطني» قصيدة الشاعر  الفلسطيني إبراهيم طوقان الوطنية الشعبية بألحان الموسيقار اللبناني محمد فليفل، صُنعت منها سابقاً أناشيد وطنية. أما «إليسياً»، فجاءت مغايرة تماماً. لا ضرر في ذلك، لا سيما في ظل التحوّل اللافت الذي تشهده الموسيقي. من يعلم... ربما نؤدي التحية للوطن ذات يوم على وقع موسيقى «الراب».

ولكن بعيداً من إليسا ومنتقديها ومعجبيها، تبدو فكرة إعادة أداء الأغاني القديمة، لا سيما ذات الصبغة الوطنية، أو اليسارية، ركيكة لا قيمة لها، ولا تضيف إلى اللاجئ إليها جديداً، أو «قديماً» إذا صحَّ القول. حتى إنها لا تطيب لكثير من محبيها إلا بصوت صاحبها «الأصلي»، بكل ما يحمله من التزام، أو نشاز مصدره بلغم مختلط بالمخارج التنفسية (في حالة الشيخ إمام). أما الصحوة والاعتزاز اللتان خلَّفتهما تلك الأغاني في الجمهور آنذاك فاختلفت طرق التعبير عنهما اليوم في القصائد وغيرها. ولا ريب، في أن كثيرين تغيَّرت نظرتهم إلى «الوطنية» نفسها.

استسلمت إليسا لتغيير آخر حققته في كليبها «يا مرايتي»، حيث اعتقدت أنها تدافع عن المرأة مصورةً عنفاً أسرياً يطاولها. فضحها الكليب، إذ بيَّن أنها فنانة غرَّة في ما يتعلق بالمضمون. ربما خدعها أحد «مستشاريها» حينما ورطَّها في هذا الاختيار، على اعتبار أن «العنف الأسري» موضوع المرحلة، وشاغل نشطاء المجتمع المدني.

ليست المرة الأولى التي تظهر حسناء لبنانية معنفة في فيديو كليبات. في المرات السابقة، حاول بعض المخرجين ابتكار صورة مغايرة للمغنيات فأظهرهن معنفات في أغانٍ مصوَّرة، وتحضر في هذا المجال نيكولا سابا. لكن صورة المرأة المضروبة لم تحظ باهتمام جمهور عربي ينتظر فنانته بمحياها الجميل وقوامها الرشيق، يقصدها لأنها فاتنة، ويرفضها إن مارست في إطلالاتها جنوناً بما يحمله في «بشاعة»، على طريقة الليدي غاغا مثلاً. وهو السبب نفسه الذي أبعد مغنيات كثيرات في العالم العربي عن تقليد الأخيرة، بينما لم يتركن فنانة عالمية من «شرهن» في التقليد.

وإرضاءً للجمهور ولنفسها، غفلت إليسا المعنَّفة عن أمور كثيرة. كما غالبية الأعمال التي تعالج العنف شكَّلت النظارتان الشمسيتان، بمساعدة الماكياج، قناع كدمات خلَّفتها ضربات الزوج، فيما بدت إليسا في أجمل إطلالاتها بتبرج لافت وتسريحة لم تترك خصلةً بلا ترتيب، وبقرطين من لؤلؤ زينا أذنيها. ناهيك بفستان أخضر كشف عن ساقين رفعهما كعبان أبت إلا أن تنتعلهما حتى لابتياع الخضر والخبز، ثم صعدت بهما سلالم لامنتهية برشاقة وكأنها حافية.

وفيما بدت إليسا بإدارة المخرجة اللبنانية إنجي جمال بعيدة تماماً من المرأة المعنفة، لم يفكَّ الزوج الجلدَ ما بين حاجبيه، ولا أراح جبهتَه من تجهمها طوال «القصة»، وكأن لا بد للرجل المعنِّف من أن يكون كثير العبوس! 

 

كاتبة

 

إليسا المتمسكة بجمالها رغم الكدمات، خاطبت بنات جنسها بطريقة مباشرة وكأنهن إزاء درس من معلمة هي ملهمتهن للصواب. وصارت الضحية المعنَّفة بمثابة مرشدة بعدما صنعت من معاناتها كتاباً ضمَّنته سيرتها وعنونته {يا مرايتي}. نعود هنا إلى الصيحات أيضاً. أليس إصدار الكتب «موضة» المرحلة؟ بل ألا تسعى كثيرات إلى الكتابة حباً في الهيبة الاجتماعية التي تصنعها؟ 

حتى في «دفاعها» عن المرأة، كما يزعم الكليب، تكلَّفت المغنية ولم ترض لنفسها إلا أن تكون ذات شأن. أصبحت هي القضية. إنها تلك المرأة التي حوَّلت معاناتها إلى إنجاز، كأننا إزاء سيرة ذاتية لكاتبة أو «مناضلة»، أو نشاهد فيلماً أميركياً بطلته شابة هاجرت الريف هرباً من زوجها السادي إلى المدينة حيث صنعت حلمها.

وإليسا الممثلة في الكليب لا علاقة لها بالتمثيل. على النقيض من المطلوب، يسهم رد فعلها تجاه الضرب والصراخ، في أن تستسيغ المرأة التعنيف لا أن ترفضه. فهي إذ تتلقى الصفعة تقع على السرير فاردةً ذراعيها مغمضةً عينيها وكانها في حلم لا كابوس. والرجل المعنِّف هنا هو ذلك الوسيم الذي يغار على زوجته حتى الجنون فيروح يضربها حباً فيها، فيما تظهر هي رضاءً واستسلاماً تاماً، أو ربما تستطيب العنف.

كان من باب أولى أن تتضامن إليسا مع المرأة عبر نشاط إنساني ما، لا بكليب لا محل له من الإعراب في قضية تمثِّل وجع نساء كثيرات، وفيما نحن نكتب عنه نقرأ عن ساره الأمين، امرأة لبنانية أنهى زوجها علي الزين سنوات طويلة من إهانات وضرب بعشرين رصاصة من رشاشه الحربي زرعها فيها، فقتلها شر موتةٍ، والجمهور أولادها.