وهم الحلم الليبرالي
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
يرى أهل الحنين إلى أيامنا الحلوة أن الوضع المحافظ الآن هو الشاذ والاستثنائي، وهو انكفاء "ظلامي" (تعبير العديد منهم) لم يكن ليحدث لولا، ولولات كثيرة، مثل لولا الثورة الإيرانية، ولولا هزيمة 67 وإحلال القومية الدينية مكان القومية العربية، ولولا تصدُّر الأنظمة المحافظة بدول الخليج للقيم المتزمتة لمواجهة اليسار، ولولا مراهنة أميركا على الحركات الدينية المتطرفة ومساندتها أيام الحرب الباردة، ولولا العدوان الإسرائيلي المستمر، ولولا تخاذل الأنظمة العربية وقمعها لشعوبها... "لولات" دون نهاية كلها تبحت عن سبب أو أسباب لحالة التراجع الليبرالي (وكأنه كانت لدينا ثقافة ليبرالية حقيقية وهذا ما أناقشه)... ربما كلها أو بعضها تفسيرات صحيحة، لكن في النهاية، يجب أن نتساءل إن كنا نحيا فعلاً في ظرف استثنائي شاذ خرج عن المسيرة التاريخية لتطور حياة شعوب المنطقة، أم أن المنطقة في حالة طبيعية لتطورها التاريخي؟!د. سعد الدين إبراهيم، في بداية التسعينيات، وصف المرحلة التاريخية (المنفتحة اجتماعياً لا سياسياً) بــ"اللحظات الليبرالية"، وهذا وصف صحيح، فاللحظة معناها أمر طارئ ليست له ديمومة زمنية، وإذا نظرنا إلى "لحظاتنا الليبرالية" و"نستولوجيا" تلك الأيام والسنوات فسنجد أنها هي الاستثناء، وكان الوضع الطبيعي هو المحافظة الاجتماعية الدينية الممتد من أيام الخلافة العثمانية، حتى سقوطها.بداية اللحظات الليبرالية هي لحظة الانفتاح على الغرب وتقدمه بعد حملة نابليون على مصر، وامتدت إلى أيام محمد علي وخلفائه من بعده، لتخرج لنا لطفي السيد وإسماعيل مظهر وسلامة موسى وطه حسين... ثم تلاشت تلك اللحظات بسرعة مع انتصار فكر المودودي وحسن البنا والخميني. ويتقدم الزمن ليصل قطاره إلى محطات الربيع العربي، ثم انكساراته بفعل قوى المحافظة على الوضع القائم، وفي كل تلك المراحل والوقفات التاريخية يظل الوهم المهيمن عند الكثيرين من جماعات الحنين الليبرالي أنّ وضعنا الحالي استثنائي شاذ، ولابد من عودة حتمية إلى أيام الانفتاح الغابرة التي تمثل رغبات الشعوب العربية والإسلامية... فهل هذا صحيح؟! للكلام بقية…