لا توجد دولة عربية أو أجنبية واحدة تدعم تنظيم "داعش" علناً أو توفر له منصات لنقل رسائله ومقولاته بشكل إيجابي، ورغم ذلك فإن ذلك التنظيم يتقدم ويكسب أرضاً يوماً بعد يوم وأنصاره في ازدياد.

Ad

تمتلك الدول العربية أساطيل "إعلامية" ضخمة وترسانات من وسائل الاتصال الراقدة في مبان حكومية شاهقة، والتي يعمل فيها عشرات الآلاف من الإعلاميين والموظفين، لكن كل هذه الأساطيل والترسانات لم توقف المد "الداعشي" عبر الفضاء الاتصالي.

لا يحتاج "داعش" إلى وسائل الإعلام النظامية (ما يسمى بالإعلام التقليدي) التي يبدو أنها تأخذ طريقها إلى المقابر كما الأفيال، لأنه يعرف كيف يركز جهوده على وسائل الاتصال غير النظامية (ما يسمى بالإعلام الجديد) حيث يحرز نجاحات مبهرة.

يفيد التقرير السنوي لاتحاد الاتصالات السلكية واللاسلكية الدولي، التابع للأمم المتحدة، والصادر في أكتوبر 2013، أن عدد المتصلين بالإنترنت حول العالم بلغ 2.7 مليار نسمة، من إجمالي سبعة مليارات نسمة هم جميع سكان العالم، وبنسبة 40% تقريباً.

ووفق موقع "علوم الإعلام الاجتماعي" (http://thesocialmediascience.com)، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي بلغ 118 مليوناً و135 ألف مستخدم في عام 2013.

وتقول شركة "إيبسوس" إن عدد مستخدمي الإنترنت في عام 2013 بلغ نحو 37 مليون مستخدم في مصر، بنسبة 44% من السكان، ووصل إلى 14 مليون مستخدم في السعودية بنسبة 54% من إجمالي السكان، وهي ذات النسبة التي بلغها المستخدمون في المغرب، والذين سجلت أعدادهم نحو 18 مليون مستخدم في العام ذاته.

لكن قطر والإمارات والكويت تسجل نسباً غاية في الأهمية في ما يتعلق بعدد مستخدمي الإنترنت مقارنة بإجمالي السكان؛ إذ يبلغ عدد هؤلاء في قطر 1.7 مليون مستخدم، لكن نسبتهم تصل إلى 88%، مقابل 4.5 ملايين في الإمارات بنسبة 85%، وأكثر قليلاً من مليونين في الكويت، بنسبة 79%.

إنها نسب كبيرة تشير إلى إمكانية الوصول قريباً إلى نسبة الـ100% بين البالغين في بعض المجتمعات العربية، كما تشير الإحصاءات أيضاً إلى أن القطاعات الأكثر استخداماً تأتي من الشباب.

ويرتبط بذلك الارتفاع الكبير في عدد مستخدمي الإنترنت ارتفاع مماثل في عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية؛ إذ تشير بيانات "تقرير الإعلام الاجتماعي العربي" (http://www.arabsocialmediareport.com)، إلى أن عدد مستخدمي "الفيسبوك" العرب بلغ في عام 2014 نحو 58 مليون مستخدم.

ووفق هذا الإحصاء، فمن المتوقع أن يبلغ عدد مستخدمى "تويتر" العرب نحو 6.5 ملايين مستخدم، في مقابل نحو 5.8 ملايين لموقع "لينكيد إن"، وأن تصل نسبة مستخدمي الشبكات الاجتماعية لإجمالي مستخدمي الإنترنت إلى نحو 88%، بنهاية العام الجاري 2014.

وتشير الإحصاءات التي نشرتها كلية دبي للإدارة الحكومية عام 2013، تحت عنوان "تقرير مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي"، إلى أن هناك ارتفاعاً كبيراً في نسبة مستخدمي موقع "فيسبوك" من بين عدد السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة، مقارنة بغيرها من الدول الخليجية، كما يظهر ارتفاع مماثل في السعودية، التي يبدي الجيل الشاب فيها ميلاً مطرداً لاستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

وترجح التوقعات المستقبلية في هذا الإطار حصول تطور كبير في نسب اعتماد المواطنين العرب على شبكة الإنترنت في التزود بالأخبار والمعارف وسد الحاجة إلى الترفيه والحصول على الإفادات الخاصة بأحوال السكان والخدمات الحيوية.

ولذلك، فقد أكد عدد كبير من مراكز البحوث العالمية أن هناك زيادة كبيرة في نسبة نمو ما يسمى بـ"الجيل الرقمي"، حيث يوضح استطلاع أجرته شركة "بوز أند كومباني" بالاشتراك مع "غوغل" أن نسبة نمو "الجيل الرقمي" تبلغ نحو 11% سنوياً في العالم العربي، مقابل نحو 7% فقط على الصعيد العالمي، بسبب ارتفاع نسبة الشباب بين السكان العرب.

ومن ناحية أخرى، يشير تقرير "نظرة على الإعلام العربي 2011- 2015"، في إصداره الرابع عام 2012، إلى أن الاستطلاعات وبحوث السوق التي أجريت على عينات من نحو 500 شخص في مصر والسعودية والإمارات، أفادت أن هناك تناميا ملحوظا في نسبة المعتمدين على المواقع الإخبارية والصحف الإلكترونية كمصدر يومي للأخبار مقارنة بالمصادر التقليدية وخاصة الصحف المطبوعة، حيث إن 25% في مصر باتوا يعتمدون بصورة يومية على مواقع إلكترونية إخبارية كمصدر للأخبار، في مقابل 56% في السعودية، و50% في الإمارات.

واستناداً إلى التقرير ذاته فقد انخفضت نسبة من يعتمدون على الأخبار من الصحف الورقية في السعودية من 75% عام 2009 إلى 66% عام 2012 لمصلحة الصحافة الرقمية، كما عانت الصحف الورقية في الدول العربية تراجعا في مبيعاتها بنسبة تتراوح ما بين 2 إلى 4% عام 2012.

وشهدت دول عربية مختلفة حالات لتحول صحف ورقية إلى صحف رقمية فقط اتساقاً مع ما جرى في دول عديدة كبرى في الغرب مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا.

في مطلع العام الجاري 2014 نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً، قالت فيه إن النمو في عائدات البيع من خلال التسويق والإعلان عبر الهواتف المحمولة والحاسبات اللوحية يتزايد بدرجة كبيرة، وإن عملية الدخول إلى "الإنترنت" من خلال الهواتف الذكية تتزايد بدرجة تسمح بتوقع أن تتسيد الموقف خلال فترة قصيرة، وإن المزج بين "الهواتف الذكية"، و"وسائط التواصل الاجتماعي"، و"الفيديو عبر الويب"، سوف تصنع اتجاهاً قوياً ومهيمناً خلال السنوات المقبلة.

تقود تلك البيانات والاستطلاعات والتحليلات، ونسب النمو المطردة لمستخدمي الإنترنت، والتصاعد الكبير في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بين شرائح الشباب العرب، الذين يمثلون القوة الضاربة والكتلة العريضة في المجموع العام العربي، إلى طريقة يمكن أن نفهم بها التقدم "الداعشي" في المجال الاتصالي رغم التقييد والمنع والمجابهة المنظمة الصارمة.

لا يحاول "داعش" أن يوجه رسائله عبر الإعلام النظامي لأن هذا الإعلام يعمل ضده تماماً أو يحجم عن نقل أي شيء يخصه إلا إذا كان سلبياً، ولذلك فهو يركز "مدفعيته الثقيلة" على الإعلام غير النظامي (وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت والمنتديات الإلكترونية).

يوفر الفضاء الإلكتروني فرصاً كبيرة لـ"داعش" لتجنيد أتباع ومقاتلين من العالم الغربي كما هي الحال في العالم العربي تماماً.

إذ يرى خبراء في المركز الدولي لدراسة التطرف، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له أن عملية تجنيد مقاتلين غربيين للذهاب إلى الحرب في سورية تبدأ في الأساس بـ"تغريدات" عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي مطلع هذا الشهر، نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن جيمي بارتليت، مدير مركز تحليل مواقع التواصل الاجتماعي في مركز أبحاث "ديموس"، قوله عن "المقاتلين الإلكترونيين" في "داعش": "إنهم شباب في العشرينيات من أعمارهم نشؤوا على ثقافة التواصل الاجتماعي... هم يدركون أن إنشاء تطبيق على الإنترنت ليس صعبا، ويعرفون مدى أهمية موقع (تويتر). ويمكنهم تحميل فيديو ذي محتوى سيئ ونشره بسرعة. وهم يعلمون أيضا أن إنتاج دعاية جيدة ومنخفضة التكلفة ونشرها في مختلف أنحاء العالم بات اليوم أكثر سهولة، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات".

ستظل بعض الأنظمة العربية تواجه "داعش" في منصاتها الإعلامية التقليدية البائسة، وسيظل "داعش" يكسب أرضاً ومقاتلين يوماً بعد يوم لأنه يلعب هناك... في هذا الفضاء الذي لا يحده حد، ولا يضبطه ضابط، والذي يتميز بالسرعة والفاعلية والتكلفة الرخيصة... والأهم من ذلك كله أنه يستهدف الساحة التي يتمركز فيها معظم "الزبائن" المستهدفين.

* كاتب مصري