هل هناك رسم حدود جديدة للدول العربية القديمة والدول التي قد «تفرِّخُها» هذه الدول؟! هل هناك «سايكس- بيكو» أخرى غير تلك التي نعرفها مادام السكين قد وصل إلى العظم بالنسبة للدول التي ضربها ويضربها داء التفسخ والتمزق الطائفي، ومادام هناك كل هذه التدخلات الخارجية في شؤوننا العربية، ومادام «أشقاؤنا» الإيرانيون يعلنون أن جنرالهم قاسم سليماني هو الذي يقود الجيش العراقي، الذي يُفترَض أنه جيش عربي، في الحرب التي يشنها على «داعش» بمساندة الولايات المتحدة و»الحلفاء» والتي لا تزال: «مكانك راوح» رغم كل هذا القصف الجوي المتواصل، ورغم كل ما تقوم به القبائل والعشائر العربية؟!

Ad

لا يجوز الاستمرار في انتقاد جمهورية إيران الإسلامية «الشقيقة»، لأن هذا قد يغضبها، وقد يغضب بعضنا وبعض أنصارها، لكن ما العمل وهؤلاء «الأشقاء» يتحدثون عن أنَّ أربع عواصم عربية باتت تابعة لعاصمتهم طهران، وهم يعنون عاصمة العباسيين بغداد هارون الرشيد، وعاصمة الأمويين دمشق، وعاصمة بلاد الأرز بيروت، وعاصمة اليمن السعيد صنعاء، التي لابد منها وإن طال السفر؟ وما العمل و»أشقاؤنا» يصرون على أن الحرب المستمرة من بشار الأسد على الشعب السوري هي حربهم؟ وما العمل و«أشقاؤنا» الأعزاء لا يخفون، ولو من باب «التقية»، مساندتهم لـ«الحوثيين» المعروف عنهم أنهم من أتباع المذهب الزيدي، نسبة إلى زيد بن علي (زين العابدين)، والذي هو من أكثر المذاهب الإسلامية تسامحاً وانفتاحاً واقتراباً حتى حدود التطابق الكامل مع المذهب الشافعي الذي هو رابع المذاهب السنية؟

المشكلة التي باتت تواجهها هذه المنطقة هي أنَّ كل تدخلٍ لدولة من دولها في شؤون دولة شقيقة قريبة قد فتح الأبواب لتدخلات خارجية كثيرة، فتدخل صدام حسين في شؤون الكويت الذي بلغ ذروته باحتلالها قد استدرج احتلالاً دولياً للعراق على رأسه الولايات المتحدة، وتدخل إيران في الشأن العراقي المستجد قد استدرج تدخلات إقليمية معلنة وغير معلنة كثيرة، وتدخل سورية في عهد بشار الأسد وفي عهد والده في لبنان قد استدرج حرب عام 2006 الإسرائيلية المدمرة، كما استدرج كل هذا الزحف الإرهابي المتعدد الأسماء والمسميات رداً على تدخل حسن نصر الله و»حزب الله» بأوامر إيرانية في الشؤون السورية الداخلية... و«على عينك يا تاجر».

لم تبق دولة مجاورة إلا تدخلت، ولا تزال تتدخل، في شؤون ليبيا التي وضعتها كل هذه التدخلات الخارجية القريبة والبعيدة على مفترق طرق، أحدها يقود إلى التشظي والتقسيم، والمعروف أن التدخلات في السودان جعلته يلد هذه الجمهورية الجنوبية البائسة، التي أصابها «فيروس» التدخل الخارجي حتى قبل أن تقف على قدميها، فتحولت إلى ميدان لتصارع الطامعين في نفطها ومياهها ونفط ومياه «دارفور»، التي ينشغل عنها الجنرال عمر حسن البشير بالتجديد لولايته التي أرادها منذ اللحظة الأولى: «من المهد إلى اللحد»!

أين المفر؟ فالعدو أمامنا، ووراءنا «الأشقاء» الأعزاء، الذين يُفترَض أنْ يجمعنا بهم ويجمعهم بنا تاريخ طويل وحضارة مشتركة، لا يجدون ضيراً في أن يفتتوا أكبادنا بتحدياتهم لنا، وبتدخلهم غير المبرر في شؤوننا الداخلية، هذا التدخل الذي استدرج كل «هوام» الأرض، مما اضطرنا إلى التساؤل مع شروق شمس كل يوم: هل بتنا أمام «سايكس- بيكو» جديدة، ولكن أشد قسوة من تلك التي جعلت فلسطين، وفقاً لوعد بلفور الذي حلَّت ذكراه المشؤومة يوم الأحد الماضي، وطناً لشعب مازال لا يقبلنا رغم أننا قبلناه مرغمين تحت ضغط المعادلات الجائرة؟

هل هناك «سايكس- بيكو» جديدة...؟ إنه سؤال ضروري سأله كثيرون غيري مرات كثيرة خلال السنوات الماضية، بعدما أصبح وضع العراق يوجع القلب، وبعدما باتت سورية قريبة من أن تصبح عدداً من الدويلات المذهبية والطائفية، وبات لبنان، هذا الوطن الجميل، يعيش كوابيس العودة إلى الحرب... والحروب الأهلية المدمرة. كيف لا نخشى هذه الـ»سايكس- بيكو» الجديدة وفي اليمن يجري ما يجري، وأصبحت العودة إلى تشطيره قاب قوسين أو أدنى؟ كيف لا نخشى تفرق دمائنا بين الدول الطامعة، ونحن نرى هذا الذي نراه في ليبيا، وفي غير ليبيا، وفي دول عربية أخرى بعضها لا يزال في بداية الطريق؟!