«القناطر الخيرية»... لعشاق الماء والخضرة والوجه الحسن
•استراحة الفقراء وأعجوبة فنية وأثرية وسياحية
القناطر كلمة يتردد صداها ما بين لبنان والقاهرة وكل بلدان العالم العربي، فمن أغاني فيروز التي ذكرتها أكثر من مرة «على قناطر بيتنا رشرش... المرجان وحد القناطر محبوبي ناطر..»... إلى القناطر الخيرية التي تقع على أطراف مدينة القاهرة، وهي قبلة العشاق وفسحة الفقراء ومنتزه يناسب مختلف الطبقات.
القناطر كلمة يتردد صداها ما بين لبنان والقاهرة وكل بلدان العالم العربي، فمن أغاني فيروز التي ذكرتها أكثر من مرة «على قناطر بيتنا رشرش... المرجان وحد القناطر محبوبي ناطر..»... إلى القناطر الخيرية التي تقع على أطراف مدينة القاهرة، وهي قبلة العشاق وفسحة الفقراء ومنتزه يناسب مختلف الطبقات.
«القناطر الخيرية» التي شيدها محمد علي باشا والي مصر أعجوبة فنيَّة وأثرية وسياحية، وواحدة من أروع الآثار المصرية الحديثة في مجال هندسة الري. كذلك تعد هذه القناطر الأولى من نوعها في العالم آنذاك، تم بناؤها عام 1847 في المنطقة التي يتفرع منها النيل لفرعيه (دمياط ورشيد).تتحكم في تدفق المياه لثلاث رياحات رئيسة (المنوفي، التوفيقي، البحيري)، وتتميز بمساحات كبيرة جدا من الحدائق والمتنزهات تصل إلى مئات الأفدنة، وتعتبر واحدة من أهم المعابر لوسط الدلتا، كذلك تعد متحفاً مفتوحاً لهندسة وفنون بناء الكباري ومنشآت الري والمباني الأثرية والمتاحف، فهي صممت على طراز القلاع والطراز المعماري الأوروبي، فضلاً عن انسجام عناصر المعمار فيها والتنسيق المكمل لها من مداخل وأبراج ومراكب وأعمال تقوية لجوانب النهر.
سهولة الوصولوتستقبل القناطر الخيرية سنوياً نحو خمسة ملايين زائر بين عربي وأجنبي، وبسبب التطوير المستمر فيها فإنها أصبحت منطقة سياحية من الطراز الفريد، وأسهم قربها من القاهرة التي تبعد عنها بمسافة 22 كيلو متراً وإمكانية الوصول إليها عبر النيل بسهولة في ازدهارها كمنطقة جذب سياحي.أهتم المصريون عبر جميع العصور بإقامة القناطر والسدود لكبح جماح النهر، وكانت أراضي الوجه البحري إلى أوائل القرن التاسع عشر تروى عن طريق {الحياض} كري الوجه قبلي فلا يزرع فيها سوى الشتوي، ولا يزرع الصيفي، إلا على شواطئ النيل أو الترع القليلة المشتقة. وعندما تولى محمد علي باشا حكم مصر أخذ على عاتقه تغيير هذا النظام تدريجاً، فأخذ في إقامة الجسور على شاطئ النيل وشق الترع وتطهيرها ليضمن توفير مياه الري في معظم العام.فاتحة خيرتوج محمد علي أعمال الري التي أقامها بإنشاء {القناطر الخيرية}، وهو الاسم الذي يعني تنظيم وضبط الري لخدمة الزراعة المصرية في الدلتا والوجه البحري، وبذلك تعتبر فاتحة خير وبركة على الشعب المصري، فهي سد من النوع المفتوح. وقد فكر فيها بعدما شاهد بنفسه فوائد القناطر التي أنشأها على الترع المصرية الكثيرة، ورأى أن كميات عظيمة من مياه الفيضان تضيع هدراً في البحر، ثم تفتقر الأراضي إلى الري خلال السنة، فلا تجد كفايتها منها. إزاء ذلك، اعتزم ضبط مياه النيل للانتفاع بها لإحياء الزراعة الصيفية في الدلتا، وذلك بإنشاء قناطر كبرى في نقطة انفراج فرعي النيل.وعلى الفور عهد محمد علي بدراسة هذا المشروع الضخم إلى جماعة من كبار المهندسين آنذاك، من بينهم لينان دي بلفون {لينان باشا} كبير مهندسيه، فوضع تصميماً وشرع في العمل، وفقاً لهذا التصميم عام 1834، ثم توقف فترة من الزمن، وعندما اعتزم محمد علي استئناف العمل استعان بمهندس فرنسي آخر هو المسيو موجيل بك بعدما أعجب بمقدرته الهندسية في إنشاء حوض للسفن بميناء الإسكندرية. فقدم تصميماً {للقناطر الخيرية} يختلف عن تصميم لينان، الذي كان يرى إنشاءها على اليابسة بعيداً عن المجرى الأصلي للفرعين، واختار لذلك قطعتين بين متلويين من متلويات فرعي النيل حتى إذا تم إنشاؤها حَوَّل الفرعين إليها بحفر مجريين جديدين. ولكن مشروع {موجيل بك} اقتضى إقامة القناطر مباشرة في حوض النهر. الرياحات الثلاثةيتألف المشروع من قنطرتين كبيرتين على فرعي النيل يوصل بينهما رصيف عريض، وشق ترع ثلاث كبرى تتفرع عن النيل فيما وراء القناطر لتغذية الدلتا، وهي الرياحات الثلاث المعروفة برياح المنوفية ورياح البحيرة ورياح الشرقية، التي عرفت بالتوفيقي بعد ذلك، لأنها أنشئت في عهد الخديو توفيق باشا، وقد شرع في العمل على قاعدة تصميم {موجيل بك} وبمعاونة مصطفى بهجت باشا ومظهر باشا المهندسين الكبيرين آنذاك.وفي صباح الجمعة التاسع من شهر أبريل عام ١٨٤٧ الموافق ٢٣ من ربيع الثاني سنة ١٢٦٣هـ، وضع محمد علي باشا حجر أساس القناطر الخيرية. وفي عهد إسماعيل باشا عام 1867 ظهر خلل في بعض عيون القناطر، فأصلح الخلل طبقاً لآراء موجيل بك وكان قد غادر مصر إلى فرنسا.وفي عام 1891، أصلح مهندسون القناطر في العصر الحديث لتقويتها حتى بلغت شكلها الراهن بعدما رجعت الحكومة إلى رأي موجيل بك في الإصلاح، وجاء إلى مصر وقتها، وكان قد بلغ الـ ٧٥ سنة، فعينته الحكومة مهندساً للقناطر ليتسنى لهذا المهندس الكبير أن يكون إنشاء القناطر ابتداء من العمل فيها إلى تمام بنائها على يديه.ترك محمد علي باشا مئات الأفدنة حول القناطر لأجل التوسعات المستقبلية، كذلك خصص 500 فدان جميعها تطل على النيل مباشرة للحدائق المقامة على نمط المنتزهات والحدائق الأوروبية، وهي مزودة بالأشجار النادرة التي جلبها من مختلف أنحاء العالم، وأطلق عليها عند افتتاحها أعظم حدائق الشرق.أعلنت الحكومة المصرية ممثلة بالمهندس محمد عبد الظاهر، محافظ القليوبية، أخيراً عن طرح ثلاثة مشروعات للاستثمار السياحي العالمي بالمدينة التاريخية باستثمارات تبلغ 250 مليون جنيه، وذلك أمام المستثمرين بالداخل والخارج بنظام حق الانتفاع لمدة 25 سنة.استثمارقال المهندس محمد عبدالظاهر محافظ القليوبية في تصريحاتلـ {الجريدة}، إن هذه مشروعات الاستثمار السياحي في المدينة التاريخية تشمل توفير أنشطة فندقية ترفيهية وسياحية وثقافية ورياضية وألعاب مائية ونقل نهري لجعل المنطقة مركز جذب سياحي عالمي، يليق بقيمة هذا الموقع الفريد، على أن يشمل التطوير توفير وسائل نقل نهري للسياح والزائرين بما في ذلك إقامة المراسي، وقيام هذه الوحدات النهرية اللازمة بنقل الزوار من إقليم القاهرة الكبرى إلى منطقة الشاليهات والمناطق الأثرية بمدينة القناطر الخيرية، مشيراً إلى أهمية الاستفادة من إمكانات المنطقة (نهرالنيل - قناطرمحمد علي- الحدائق- المتاحف) بتوفير الأنشطة الترفيهية والثقافية والرياضية والألعاب المائية، التي من شأنها تنشيط السياحة، ووضع المنطقة على خريطة مصر السياحية، واستغلال العناصر التفصيلية لهذا الموقع الرائع.