المطيري: ثورات الربيع العربي أثبتت أننا «ضائعون»
المطيري: ثورات الربيع العربي أثبتت أننا «ضائعون»
لم يكن مفاجأةً وجود بقايا لبعض الأفكار التي تشدد على وجود «روحانية» للعلم، أو تنادي لـ»العقل الشرعي»، أو تلك التي تحاول إقحام «النسبية» لتتحدث عن إسلام «معتدل» وآخر «متطرف»... المفاجأة في أن «التنوير» ما زال يجد له ملاذاً في هامش عالمنا، ليجد له متنفساً في أطروحات د. فهد راشد المطيري وأسئلته المباغتة لأفكار الحضور في ملتقى ضفاف الثقافي، مثل: «هل أكون متطرفاً إنسانياً» إذا بالغت في إظهار إنسانيتي؟!
في ندوة استضافتها مكتبة الكويت الوطنية أمس الأول بالتعاون مع ملتقى "ضفاف الثقافي"، رأى الأستاذ بكلية التربية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د. فهد المطيري أن ثورات ما يسمى "الربيع العربي" أثبتت أننا "ضائعون"، مبيناً أن تلك الثورات جاءت كرد فعل، ولم تأت بجديد لأنها قامت على قوة حراك الشعب، لا قوة المحرك الفكري، بعكس الثورات الأوروبية التي جاءت لتجسد أفكاراً قائمة.وأضاف المطيري، في الندوة التي حملت عنوان "أفكار التنوير في واقع مغاير"، أنه لا تواصل ثقافياً مع إرث التنوير العربي؛ مطلقاً تساؤلات عدة حول الشعارات الرنانة التي حملتها تلك الثورات: "الحرية" نقيض للعبودية، و"العدالة" نقيض الظلم، والكرامة رفض للمهانة، لكن "ما الذي بعد ذلك كله؟"، لم تأت بجديد.
وتناول مفهوم التنوير ومنشأة، واللبس الذي يَقرن التنوير بالتغريب، مروراً بمراوحات مناهج التفكير بين النقل والعقل، ومظاهر الخصومة مع العقل في تراثنا وحاضرنا، وصولاً إلى مناقشة أفكار التنوير وعلاقتها بالثورات في العالم ومدى حضورها في الثورات العربية.وأشار إلى نشأة مفهوم "التنوير" في الحضارة الأوروبية بين أواسط القرن السابع عشر إلى أواخر الثامن عشر، وهي الحقبة التي أطلق عليها الفلاسفة اسم "عصر العقل"، والذي تجرّأ فيها المثقف المسيحي ليقول "لا" للسلطة السياسية ممثلة بالملوك، وليقول "لا" للسلطة الدينية ممثلة بالرهبان، وليقول "لا" للسلطة الاجتماعية ممثلة بالأعراف السائدة.نهضة حقوق الإنسانوأرجع المطيري أسباب تبلور عصر التنوير إلى تفكك وحدة الدين المسيحي، وانتشار الرّبوبية كمذهب فلسفي، والتأكيد على مفاهيم الإنسانية والفردية في عصر النهضة، واصطفاف البرجوازية الصاعدة مع أفكار الثورة الإنكليزية، ونجاحات الثورة العلمية في القرن السابق لعصر التنوير.عالمية التنوير وأشار إلى عالمية المفهوم بعيدا عن أي خصوصية جغرافية؛ حيث قال إن التنوير وإن كان أوروبيّ المنشأ، فإن أفكاره كانت تستهدف "الإنسان" من حيث هو إنسان أينما كان ولم تكن مقصورة على الإنسان الأوروبي فقط، فعندما دافع "جون لوك" عن حقّ الحياة وحقّ الحرية وحقّ الملكية، فإنه كان يدافع عن الحقوق الطبيعية للإنسان، ممثلاً لذلك بدفاعات "فولتير" و"روسو" عن حرية التفكير وشرعية السلطة من الشعب للإنسان بشكل عام.واستذكر المطيري روّاد التنوير العربي الذين تمكنوا من التحرر من الإرث التقليدي للنقل وتناول المعارف؛ مثل فرح أنطون وأحمد لطفي السيد وسلامة موسى وطه حسين وفؤاد زكريا وغيرهم.تهمة التغريبوانتقد تهمة التغريب التي طالما أُلصقت بدعاة التنوير في عالمنا العربي، مبيناً أن "تلك ليست تهمة واهية تخلط بين المنبع الجغرافي لأفكار التنوير من جهة، والغايات الإنسانية لتلك الأفكار من جهة أخرى فقط، بل إنها أيضاً تهمة تتضمّن اعترافاً ضمنياً مفاده أنّ خصوم التنوير هم في واقع الأمر خصوم العقل".مظاهر الخصومةوضرب المطيري أمثلة لمظاهر الخصومة مع العقل بين التراث العربي والحاضر؛ قائلاً: "انقلب الأشاعرة على المعتزلة، وسطا أبو حامد الغزالي على حجج المفكر المسيحي فيلوبونس ليهاجم محاولات التوفيق بين العقل والنقل، ثم جاء شيخ الإسلام ابن تيمية ليعلي من شأن النقل على حساب العقل، أمّا في تاريخنا المعاصر، فإن الخصومة مع العقل تجلّت في رفض الحقائق العلمية المتناقضة مع النص الديني تارة، ومحاولة التوفيق بينهما تارة أخرى، وهذا المنحى الأخير يتجسد في ما يًعرف بالبوكايزم، نسبة إلى الطبيب الفرنسي موريس بوكاي الذي أسّس لما يُسمى الإعجاز العلمي في القرآن".وأسِف إلى تناول مفهوم "الديمقراطية" بوجهها الديكتاتوري من دون تجاوز لفهمها العقيم الذي لا يحترم حقوق الأقليات، داعياً إلى جعل الدستور أداة تحدّ من جماح الديمقراطية القائمة على سلطة الأغلبية، فالدستور لا يحترم رأي أغلبية لا تحترم حقوق فرد واحد، فضلاً عن حقوق الأقلية.