لن تهرع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الى انقاذ أسعار النفط من الهبوط، والأمر يقع على عاتق المنتجين الأميركيين من أجل خفض امداداتهم من النفط. لقد تملك الاستغراب العالم بشأن النفط، وأسعار الخام قد وصلت الى أدنى مستوى لها منذ بداية عام 2009 حين هبطت أسعار النفط الى 35 دولاراً بعد أقل من تسعة أشهر من ارتفاعها القياسي الى 147 دولاراً للبرميل.

Ad

وقد هبط مؤشر داو جونز الصناعي 331 نقطة في الأسبوع الماضي. وألقت العديد من التقارير باللوم على النفط ، ولكن ذلك ليس منطقياً حقاً الى حد كبير. الأشياء الاخرى كلها متعادلة، وتعتبر أسعار النفط المتدنية نعمة بالنسبة الى النمو الاقتصادي. وإضافة الى ذلك، وبالنظر الى مدى ارتفاع داو جونز، فإن 330 نقطة ليست كما كان عليه الحال في العادة – فهي مجرد 1.8 في المئة من التراجع. وفي سنة 2008 كان داو جونز قد سجل تراجعا على مدى أحد عشر بنسبة بلغت 4 في المئة أو أكثر من ذلك.

وفي الواقع، فإن الألم الذي تكبده مستثمرو الطاقة هو الذي يعرقل تقدم السوق. وكان أداء الشركات الأضعف التي أثقلت بالديون أكثر سوءاً. كما هبطت «سويفت إنرجي» 18 في المئة وساند «ريدج إنرجي» بحوالي 13 في المئة وخسرت «هالكون ريسورسز» 10 في المئة.

صيادو الصفقات

وعندما تفقد سلعة ما 50 في المئة من سعرها بسرعة كبيرة يبرز صيادو الصفقات. وفي الأسبوع الماضي سأل أحد موظفي فوربس ما إذا كان الآن هو الوقت الملائم لاقتناص فرصة في يو اس او – صندوق الولايات المتحدة للنفط الذي يرصد أسعار النفط – في توقع لارتفاع لاحق.

لا، أجبته أنا، لا تشتري «يو اس او». وفي حقيقة الأمر، إذا كنت سأراهن على النفط فإن «اي تي اف» هو آخر شيء سوف أقدم على شرائه. ومن المنطقي بقدر أكبر شراء أسهم في شركات تنتج النفط لسبب بسيط هو أن أرباح منتج سلعة قوية تضمن مدى أكبر من التحولات في سعر السلعة. وبكلمات اخرى تميل أسعار أسهم شركات النفط الى أن تكون أكثر تقلباً من سعر النفط نفسه.

لنلق نظرة على بيانات لخمس سنوات أو 10 سنوات في صندوق «يو اس او»، ونقارن ذلك مع ثلاث من أفضل شركات الطفرة النفطية الأميركية: اي او جي ريسورسز وبايونير ناتشرال ريسورسز وكونتننتال ريسورسز. في الأوقات الجيدة تخلف «اي اف تي» عن الاتجاه الأعلى، وفي الأوقات السيئة – كما هو الحال في الآونة الراهنة – خسر أكثر من أسهم تلك الشركات الاخرى.

وإذا كنت تفكر في الشراء في هذا السوق فعليك اقتناء شركات حسنة الأداء تمتلك أصولا في بعض من أفضل حقول النفط متدنية التكلفة. لأنه بمجرد أن تنتهي هذه الفترة من التقلب في أسعار النفط ويعود السوق الى الحالة العادية الجديدة سوف يضطلع منتجو النفط في الولايات المتحدة بدور «المنتج المتمم» لتحقيق الاستقرار في السوق.

الزيت الصخري

يكمن كثير من قيمة هذه الشركات الأميركية في مرونتها في ترتيب برامج الحفر مع الأسعار السائدة. وكان على شركات النفط الكبرى في الماضي استثمار مليارات الدولارات خلال سنوات عديدة في مشاريع ضخمة قبل أن تتمكن من استخراج النفط من باطن الأرض. ولكن الزيت الصخري غير ذلك الحال. وهذه الشركات، والكثير غيرها، تملك الكثير من الخيارات وفي وسعها تسريع أو تخفيف عمليات الحفر وفقاً للأسعار في زمن قياسي.

وقد جرت العادة في أن تكون منظمة أوبك هي المسيطرة على سوق النفط في العالم، فيما كانت السعودية المنتج المتمم. ولكن ذلك تغير مع ظهور النفط الأميركي الجديد. ومن الآن فصاعداً سوف يقوم منتجو النفط الأميركي بامداد براميل النفط العالية السعر للعالم، ويتعين عليهم الانضباط لتجنب الافراط في عمليات الحفر.

هذه الحقيقة لم تكن مقبولة تماماً من جانب شركات النفط التي ظلت تنتظر منظمة أوبك لاتخاذ اجراء وخفض انتاجها – وهو ما يرجح حدوث مزيد من الهبوط في أسعار النفط في المستقبل. الى أي مدى؟ الى ما لا يقل عن 40 دولاراً، وربما حتى 20 دولاراً. ولكن لا تعتمد على كلمتي هذه.

قبل أسبوعين، وفيما كنا نشعر بسعادة غامرة أجرت نشرة ذي ميدل ايست ايكونوميك سيرفي مقابلة حصرية مع وزير النفط السعودي على النعيمي أشار فيها بجلاء الى عدم وجود أي نية لدى بلاده أو منظمة أوبك لخفض الانتاج. وقال إن تكلفة الانتاج السعودي لا تتجاوز 5 دولارات للبرميل وإن التكلفة الهامشية للتطوير تصل في حدها الأقصى الى 10 دولارات للبرميل الواحد.

خفض الإنتاج

وأضاف النعيمي: «كسياسة بالنسبة الى أوبك، وأنا أقنعت المنظمة بهذا... ليس من مصلحة منتجي أوبك خفض إنتاجهم أياً كان السعر، سواء هبط الى 20 أو 40 أو 50 او 60 دولاراً للبرميل». وصرح النعيمي بأن هذه معركة من أجل حصة السوق، ومن غير العدل أن نتوقع قيام منظمة «أوبك»، وهي المنتج الأدنى تكلفة، بخفض إنتاجها مع وجود العديد من البراميل الأعلى تكلفة في العالم وخاصة على هامش الانتاج الأميركي – وإن البعض من الزيت الصخري في الولايات المتحدة اقتصادي عند 20 دولاراً ولكن المزيد يتطلب 80 دولاراً.

ومضى النعيمي الى القول: «هل من المعقول بالنسبة الى منتج عالي الكفاءة خفض الإنتاج فيما يستمر منتج متدني الكفاءة في الإنتاج؟ وإذا قمت أنا بالتخفيض ماذا سيكون مصير حصتي السوقية؟ سوف يرتفع السعر وسوف تأخذ حصتي روسيا والبرازيل والزيت الصخري في الولايات المتحدة».

لقد خفضت شركات النفط في جميع انحاء العالم إنفاقها الرأسمالي وميزانيات الحفر، ونظراً لأن حقول النفط التقليدية يتقلص انتاجها حوالي 6 في المئة، بشكل وسطي، فيما ينخفض إنتاج الزيت الصخري 50 في المئة خلال  أول 6 أشهر يبقى الأمر مسألة وقت فقط قبل عودة التوازن بين العرض والطلب.

روسيا والعراق

وربما تحدث مصاعب اخرى قبل ذلك لأن العديد من دول البترول التي تفتقر الى المال وشركات النفط بحاجة الى كل ما تستطيع الحصول عليه من دولارات بغض النظر عن كمية النفط اللازمة للبيع لتحقيق ذلك.

ان إنتاج العراق ينمو بسرعة وسوف يستمر على هذا الحال لأن بغداد واربيل في حاجة الى المال للدفاع عن البلاد واعادة بنائها. وبالمثل تضخ روسيا المزيد من النفط أكثر من أي وقت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي – وسوف تستمر في ذلك عند أي سعر يتجاوز تكلفة التشغيل (وهي أعلى من تكلفة التشغيل في السعودية والعراق) من أجل الحصول على العملة الصعبة التي تحتاج اليها لدفع اقتصادها. وينسحب ذلك على فنزويلا وايران.

ولا يختلف الأمر بالنسبة الى معظم شركات الحفر الأميركية وما دام البئر قد تم حفره وتكسيره  ورأس المال غاص في باطن الأرض سوف يسمح  باستمرار التدفق لأن الشركة المالكة سوف تكون في حاجة الى أي مبلغ نقدي تستطيع تحصيله لإرضاء الدائنين.

وبالنسبة الى المنتجين الأكثر ملاءة لايزال لدى الكثير منهم تحوطات أسعار قائمة حيث تقوم الأطراف المالية المضادة بإعطائهم 20 دولاراً أو 30 دولاراً أكثر من السعر الفوري لنفطهم – ما يقدم لهم الحوافز للمضي في الحفر. وبحسب ادارة معلومات الطاقة الأميركية حتى مع تقليص ميزانيات الحفر يجب أن يستمر إنتاج النفط الأميركي في النمو في هذه السنة ليتخطى 10 ملايين برميل في اليوم.

ولكن في نهاية المطاف سوف نشهد نهاية الوضع الشاذ. والمنصات قد تجمعت وأموال التحوط سوف تتبخر وسوف تضيق الامدادات، كما أن الخصومات المقدمة من نفط غرب تكساس الى «برنت» سوف تنكمش وسوف تحدث حالات إفلاس وتخلف عن السداد وسوف ترتفع اسعار النفط من جديد. ويقول النعيمي: «الرهان هو على توقيت ارتفاع السعر وليس حول ما إذا كان سوف يرتفع».