قبل 14 سنة قال وزير النفط السعودي الأسبق الشيخ محمد زكي اليماني إن النفط بحلول سنة 2030 سوف يظل في باطن الأرض، لأن الناس لن تريده. وتناقش دولة غنية بالنفط، مثل ايران، ميزانياتها المستقبلية من دون نفط، وقد كتبت من قبل عن التأثير الدراماتيكي للطاقة الشمسية التي تشكل الآن منافساً مباشراً لاستخدام الوقود الأحفوري، والسؤال هو كيف ستتصرف اقتصادات تعتمد بشدة على عوائد النفط، مثل الكويت، في عالم ما بعد النفط؟ وهذا ما سأناقشه في هذه المقالة.
وفقاً للتجربة فإن حدوث التغيير في أي سوق يستلزم وجود ثلاث قوى رئيسية تأتي معاً في الوقت ذاته، وهذه القوى هي العوامل الاقتصادية والاجتماعية والفنية، وإذا كانت لدى سوق أو قطاع صناعي هذه القوى الثلاث قيد العمل فإن التغيير سوف يحدث. ولننظر الى سوق النفط لنرى إذا كانت هذه القوى موجودة.من الوجهة الاقتصادية، نعم، إذ إن هبوط أسعار النفط جعل العديد من احتياطيات النفط غير مجدية اقتصاديا، كما أن هبوط أسعار مصادر الطاقة الاخرى جذب المستهلكين اليها.ومن الوجهة الاجتماعية، نعم، إذ تؤثر قضايا تغير المناخ على العالم برمته وخفض انتاج ثاني أكسيد الكربون هو الآن موضوع نقاش عام، كما تشدد معاهدة الأمم المتحدة حول تغير المناخ والهيئة الحكومية حول تغير المناخ على الحاجة الى تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الفور، الآن لا في العام المقبل.ومن الوجهة الفنية، نعم أيضاً، حيث يمكن انتاج الطاقة من الشمس والرياح بالكفاءة ذاتها التي ينتجها الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز).تغيير لازموهكذا تبدو القوى مترابطة، ولذلك يظل السؤال ماذا يعني هذا بالنسبة الى دول تعتمد بشدة على الوقود الأحفوري، وخاصة النفط الخام، في عوائدها؟ يتعين حدوث تغيير. ويجب على الشركات أن تنوع وأن تعيد الاستثمار من أجل تحقيق عوائد جديدة.وثمة حصيلة على أي حال. وهي حصيلة اقتصادية معقدة، وفي الدول التي توفر عوائد النفط الكثير من العوائد الرسمية فإن انتاج النفط رخيص جداً أيضاً، وعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة إنتاج النفط في روسيا حوالي 15 دولاراً للبرميل، وتبلغ في ايران 10 دولارات وأقل من 5 دولارات في السعودية والعراق والكويت، وعلى أي حال فإن العوائد الجديدة سوف تأتي مع تكلفة تشغيل أعلى ومزيد من استثمار رأس المال اضافة الى تكلفة إعادة تدريب بشرية عالية، وسوف تكون الهوامش أقل، ولذلك يجب أن تكون هناك زيادة كبيرة في الدخل في هذه الأنشطة ذات الهامش الأدنى من أجل تغطية العوائد التي فقدت نتيجة هبوط الطلب على النفط، وسوف يكون ذلك صعباً.وأنا أتوقع بالنسبة الى دول غنية بالنفط مثل الكويت وبمجرد حدوث هبوط في الطلب على النفط وجود ثلاث مناطق للحلول محل عوائد النفط، وهي:1 – التمويل، والأسهم واستثمار الديون وعوائد الاستثمار.2 – إنتاج البوليمر العالي القيمة، ونقله الى ما وراء البتروكيماويات القليلة القيمة.3 – الزراعة المائية لإنتاج البروتين العالي الكفاءة.ويمكن تحقيق هذا الدخل إما عن طريق ملكية خاصة، حيث يتطلب الأمر وجود أنظمة ضرائب توفر عوائد دولة – أو مشاريع مملوكة للدولة، وتستمر في العمل مثل قطاع النفط والغاز في الوقت الراهن. والفعالية الاقتصادية الضرورية في هذه الصناعات الجديدة لن تسمح بالعمل التقليدي الشائع في الهامش العالي الذي يتسم بتحقيق سهل للعوائد من النفط الخام.عوامل الازدهاروسوف ينمو القطاع الخاص، إذا تمكن من ذلك، غير أنه في حاجة الى ثلاثة عوامل لصالحه من أجل تحقيق ازدهار:1 – بنية تحتية رائعة من نقل واتصالات وتحقيق سيولة.2 – أنظمة قانونية ممتازة.3 – ضرائب متدنية.وهذا شيء قامت امارة دبي بتطويره، ويبدو أنها تقوم بعمل جيد في هذا الصدد.لنستعرض كل واحد من هذه الخيارات الثلاثة الجديدة للعوائد مع استخدام الكويت كمثل وسعر أساس يبلغ 50 دولاراً للبرميل – الدخل الاجمالي للكويت عند سعر للنفط الخام يبلغ 45 دولاراً للبرميل.1 – التمويل والأسهم واستثمار الديون وأرباح الاستثمارات:تعتبر صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط في وضع مثالي لتوسيع عملياتها من أجل استبدال عوائد النفط المتدنية، ومنذ سنة 1953 جمع صندوق الاستثمار السيادي الكويتي ما يقدر بـ 550 مليار دولار على شكل أصول، لذا، وببساطة تامة، فإن الربح البالغ 10 في المئة في الاستثمار سيحل محل كل العوائد الحالية من النفط الخام.والسؤال هو هل تستطيع الحصول على غلة عالية عبر توظيف مثل ذلك القدر العالي من رأس المال؟ نعم، وقد تتمكن من تحقيق نسبة أعلى.إن بيركشير هاثاواي وهي المجموعة الاستثمارية المعروفة التي أسسها وارن بافت في الستينات من القرن الماضي تملك أصولاً صافية تبلغ 484 مليار دولار، وقد وصل متوسط عوائدها الصافية إلى 20 في المئة في السنة طوال الخمسين سنة الماضية.ويظهر هذا أن بالامكان تحقيق أرباح عالية.نموذج صالح للكويتوتقدم بيركشير هاثاواي التي تشغل 330000 موظف نموذجاً قابلاً للحياة لكويت ما بعد النفط، ولذلك فإن رفع مستوى المعرفة الاستثمارية يعتبر مهارة مهمة يتعين تطويرها بين الكويتيين. ويمكن تحقيق إدارة مثل ذلك الاستثمار من خلال تشكيل 100 مجموعة استثمارية يخصص لكل منها 5 مليارات دولار، وتطالب بتحقيق 20 في المئة او أكثر على شكل عوائد سنوية صافية. وفي هذه الحال سوف يكون البقاء للأفضل، وسوف يفضي التماسك والاندماج ونقل المعرفة والمزيد من التوسع الى رفع مستوى أداء الصناديق ومهارة فرق إدارة الاستثمار.ومن خلال التجربة، فإن أرباح الاستثمار التي تتجاوز 50 في المئة تصبح ممكنة إذا تم اختيارها بعناية وتنفيذها بخبرة ملائمة، وهكذا تصبح إدارة الأموال حلاً قابلاً للحياة للحلول محل العوائد الناجمة عن تراجع الطلب على النفط.2 – إنتاج البوليمر العالي القيمة.ويبين التخطيط الخاص بمكونات النفط (المرسوم في أعلى الصفحة) المنظور حول استخدام النفط الخام في عالم اليوم.ويظهر الجدول أن 44 في المئة من النفط الخام يستهلك على شكل بنزين (غازولين) و21 في المئة على شكل ديزل و9 في المئة فقط على شكل وقود طائرات، وهذا يعني أن 74 في المئة من النفط الخام يحرق في كل يوم ولن يتجدد.وتجدر ملاحظة أن نسبة 2.7 في المئة فقط من كل الانتاج تستهلك في صناعة البوليمر (البتروكيماويات). وتأخذ هذه الصناعة المنتج بقيمة سوقية تبلغ 0.30 دولار لكل كيلوغرام (نفط خام) ومن خلال معالجة كيميائية وآلية معقدة تنتج منتجات تباع لقاء دولار أو 5 دولارات، وحتى 17 دولاراً للكيلوغرام. إنها صناعة البتروكيماويات التي تنتج البلاستيك والبوليمر.وتزداد قيمة النفط الخام عبر الطريقة الصحيحة في زيادة العوائد بمجرد تركيب المعدات الضرورية ووجود الجهاز والعدد المطلوب من الموظفين المدربين.وفي أسفل هذه الصفحة، وضعتُ الجدول الذي يظهر الأنواع المختلفة من البوليمر وأسعارها وحصتها من السوق العالمي، وكم تمثل من عوائد الكويت.وعلى سبيل المثال فإن المتعدد الكربونات وهو بلاستيك شفاف عالي المقاومة يباع بسعر يصل الى حوالي 5 دولارات للكيلوغرام.كما ان "بي تي اف اي" وهو بوليمر فلوروكربون يباع بسعر يقارب الـ 17.5 دولاراً لكل كيلوغرام.طلب منخفضولكن الطلب على هذين النوعين من البوليمر منخفض مقارنة مع النفط الخام، وحتى إذا كانت الكويت تنتج كل متطلبات العالم من هذين النوعين من البوليمر العالي القيمة فإن ذلك لن يحل محل ما يقارب عوائد الدولة.وفي ذلك الجدول، تم أخذ الأسعار والكميات من أعوام متعددة مثل 2012 و2013 و2014 وهي مؤشر فقط عن الاتجاهات العامة لهذه المقالة.وعندما نفكر في المنتجات التي يتعين أن تركز صناعة البتروكيماويات عليها فإن الجدول يبرز كون البوليمر المتقدم يتمتع بقيمة عالية، ولكن ليس بكمية كبيرة، كما يبرز المستوى الكبير من الاستثمار اللازم لانتاج مصدر دخل قابل للحياة من البوليمر المتقدم، كما أنه لا يوجد بوليمر واحد يمكن أن يحل محل عوائد الخام، وبدلاً من ذلك يتعين وجود مزيج يتم تحديده عبر طلب السوق وإنفاق رأس المال وتوافر المادة الأولية.ولننظر الى دولتين في المنطقة: المملكة العربية السعودية والعراق، حيث تنتج السعودية في الوقت الراهن 75 في المئة من كل بتروكيماويات الشرق الأوسط (10 في المئة على صعيد العالم). وفي عام 2013 كان انتاجها من البتروكيماويات 86.4 مليون طن بقيمة اجمالية تبلغ 66.9 مليار دولار، وهذا يعادل 0.77 دولار فقط للكيلوغرام، ولذلك فهو ليس بوليمر عالي القيمة، وفي العراق وقعت شركة "شل" عقداً مع الحكومة بقيمة 11 مليار دولار لبناء مجمع نبراس البصرة الذي يبدأ تشغيله في سنة 2021، وهذه منشأة بتروكيماوية متواضعة السعة تبلغ 1.8 مليون طن في السنة، كما أنها لا تنتج بوليمر عالي القيمة بل متوسط.ولنفترض أن هامش الربح لسلة من البوليمر العالي القيمة هو 20 في المئة، وأن تلك السلة تباع بـ 2.5 دولار للكيلوغرام، وهذا يشمل كل استثمار رأس المال والعمليات والصيانة ومخصصات الاستبدال للمعدات (نقص القيمة نتيجة الاستعمال) وعندئذ سيكون الربح الصافي 0.50 دولار للكيلوغرام، وهكذا فإن انتاج مليون برميل من النفط في اليوم تحول الى بوليمر عالي القيمة سوف يدر 26 مليار دولار على شكل أرباح صافية في السنة، أو حوالي نصف متطلبات دولة الكويت.3 – الزراعة المائية لإنتاج بروتين عالي الكفاءة:ماذا سوف تفعل هذه الدول عندما يتوقف الطلب على النفط؟ سوف يستمر النفط كمصدر للطاقة متدني التكلفة، وذلك يعني إمكانية دعم صناعات أخرى به، والزراعة المائية واحدة من تلك الصناعات، وهي أكثر أشكال تحويل البروتين فعالية في أي عملية من هذا النوع كما يظهر الجدول المرفق في الأسفل العلاقة بين العلف واللحم الناتج عنه.نسب تحويل الأعلافهذه فكرة يتعين التفكير فيها من قبل الدول الغنية بالنفط، وتتمتع بوفرة في أشعة الشمس والمياه والطاقة الرخيصة. إن تربية الأسماك والروبيان لأسواق العالم المتعطشة هي مسار قابل للحياة في الاستثمار، وخاصة مع توقعات هبوط مخزون الأسماك والروبيان.وتعتبر تربية الروبيان واحدة من أسرع الصناعات الغذائية نظراً لنسبة تحولها العالية، وقد زادت ايران انتاجها من الروبيان الى 8000 طن في السنة في حوالي 15 سنة فقط، وتنتج السعودية حوالي 25000 طن من الربيان في السنة خلال زمن مماثل.وتوجد خطط لبناء مزرعة روبيان في إيران تنتج 9000 طن في السنة، وتضعها في مستوى السعودية.ويظهر الرسم البياني (الوارد أعلى الصفحة) مدى توسع الزراعة المائية لتلبية الطلب العالمي على الأسماك.تربية الروبيانوعلى أي حال فإن تربية الروبيان ليست بديلاً لمبيعات النفط الخام، بل مجرد مكمل لها، وذلك لأن سعر السوق بالنسبة الى الروبيان هو حوالي 5 دولارات للكيلوغرام، ويكلف انتاجه حوالي 2 دولار، وإنتاج ربح صاف بقيمة مليار دولار في السنة يحتاج الى 300000 طن من الروبيان.مع ملاحظة أن إنتاج العالم من الروبيان هو حوالي 4 ملايين طن في السنة، ويتطلب إنتاج هذا الكم من الروبيان حوالي 40000 هكتار.مساحة الكويت هي 1.782 مليون هكتار، وهكذا يتعين تحويل 2.2 في المئة من إجمالي مساحتها الى بحيرات روبيان. وتنتج هذه المساحة أيضاً حوالي 100 غيغاواط من الكهرباء إذا تم تركيب خلايا كهروضوئية، وهي الكمية ذاتها التي تلتزم الصين والهند بتركيبها بحلول مطلع الـ 2020.وربما يشكل صيد السمك والمنسوجات من جديد دعامة المنطقة خلال الأعوام المقبلة كما كان الحال قبل اكتشاف النفط.* أسترالي عاش في الشرق الأوسط سبع سنوات ولديه معرفة واسعة بأسواق الطاقة ورئيس مجموعة "ميسي" الاستشارية الاستثمارية التي تعمل في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وروسيا وتتخذ من سويسرا مقراً لها.
مقالات - Ecooped
بعد النفط... المال والغذاء والبوليمر
07-02-2015