الأرض تتوهج! لا تبث ضوءاً مرئياً وقوياً كما تفعل الشمس. لكن حين نتمدد على الأرض، يمكن أن نشعر بدفئها. وحين نلتقط صورة بالأشعة تحت الحمراء من المدار، سنلاحظ الإشعاع الحراري الذي تضخه باستمرار نحو الفضاء الفارغ والبارد.

Ad

يكون تدفق الطاقة هائلاً وهو يذهب هدراً حتى الآن. لكننا قد نبدأ بالاستفادة منه إذا نجحت الفكرة اللامعة التي ابتكرها فريق من الباحثين في جامعة هارفارد. يظنون أننا نستطيع استعمال جزء من هذا الإشعاع الحراري فيما يعبر نحو الفضاء لتوليد الكهرباء.

ظاهرياً، من الغريب أن نفكر باستعمال تدفق الحرارة الذي يبتعد عنا، بدل التدفق الذي يقترب منا، لتوليد الطاقة. يقول فريديريكو كاباسو: {توليد الطاقة من خلال بث الضوء بدل امتصاصه مفهوم غريب وغير مألوف}. لكن حين تنجح الفكرة، يمكن بناء ألواح شمسية لامتصاص الضوء من الأسفل، ومن الأعلى أيضاً، ويمكن أن يستمر التدفق بعد فترة طويلة من غروب الشمس. هل تبدو الفكرة خيالية؟

نادراً ما يبتكر أحد طريقة جديدة لتوليد طاقة نظيفة. مثل الأفكار المطروحة الأخرى، تتعلق هذه الفكرة بمجال الديناميكا الحرارية. يقول عضو الفريق ستيفن بيرنز: «كلما تدفقت الطاقة من المناطق الساخنة إلى الباردة، ثمة فرصة لإنتاج طاقة متجددة». تستعمل الخلايا الشمسية تدفقاً مباشراً للضوء من الشمس إلى الأرض. يقوم الوقود الحيوي بالأمر نفسه لكن بدرجة أقل مباشرة، فيستعمل الطاقة الشمسية المخزّنة لإنتاج المواد النباتية. يمكن تشغيل توربينات الرياح بفضل تدفق الطاقة بين المناطق الأكثر سخونة والمناطق الأكثر برودة.

تبلغ الحرارة الإجمالية التي يبثها سطح الأرض نحو 200 مليون جيغاوات تمتد على نطاق من الموجات الطولية بالأشعة تحت الحمراء. تساوي هذه الكمية أكثر من ضعف الطاقة التي يتلقاها من أشعة الشمس المرئية. تمتص الغازات والغيوم في الغلاف الجوي معظم الكمية ثم تعيد بث الأشعة، ويتجه جزء منها نحو السطح مجدداً (هذه الظاهرة معروفة لنا باسم {تأثير الدفيئة}). يحصل ذلك في الموجات الطولية الموجودة ضمن مساحة طيفية صغيرة تتراوح بين 8 و13 ميكرومتراً، فيستمر تدفق الحرارة نحو الخارج.

للحصول على فكرة واضحة عن كمية الطاقة التي يتم بثها، استعمل الباحثون في جامعة هارفارد أنظمة لقياس انبعاثات الأشعة تحت الحمراء على الأرض عبر أداة تقع في بلدة لامونت الصغيرة في أوكلاهوما. أظهرت حساباتهم التي استمرت طوال سنة أن الجهاز يستطيع امتصاص كامل كمية الحرارة من الموجات الطولية المناسبة. وعند تحويلها إلى كهرباء، يمكن توليد نحو عِشر الطاقة التي توفرها أي خلية شمسية نموذجية، وذلك بفاعلية تصل إلى 15%.

إنها نسبة جيدة ولو أنها صغيرة. لكن لا يتعلق العامل الجاذب الحقيقي بالكمية بل بالتوقيت. تكون الطاقة الشمسية متقطعة ولا يتزامن أقصى إنتاجها عموماً مع ذروة الطلب على الكهرباء. على صعيد آخر، يبلغ تدفق الحرارة من الأرض ذروته في فترة بعد الظهر وبداية المساء، أي تزامناً مع ذروة ارتفاع الطلب. يرتفع مستواه قليلاً في الشتاء، حين يصبح الهواء أكثر برودة وجفافاً ويستمر التسرب حتى خلال الليل.

أجرى غاريت موديل من جامعة كولورادو في بولدر تحقيقات عن طرق استعمال حرارة الأرض طوال سنوات وهو يرحب بهذا الاقتراح: {ستكون هذه الفكرة ممتازة في حال تطبيقها بفاعلية كافية}.

هذه هي المسألة الأساسية. لاستعمال هذه الحرارة، تقضي أبسط طريقة بتغليف الجانب الأعلى من اللوح الحراري الكهربائي (إنها المادة التي تحول الحرارة إلى كهرباء) بطلاء يعكس أشعة الشمس ويستطيع بث الأشعة تحت الحمراء. هذا ما يبرّد اللوح تحت الحرارة المحيطة به، وهكذا تولّد الحرارة التي تمتصها الأرض تياراً يتدفق عبر المواد.

تكمن المشكلة في الكهرباء الحرارية المعروفة بعدم فاعليتها، فهي تحول نسبة ضئيلة من أي حرارة عابرة إلى طاقة كهربائية. يقول بيرنز: { سيكون هذا النظام غير عملي بأي شكل لأنه سينتج كمية ضئيلة من الكهرباء مقابل تكبّد كلفة عالية}.

{إصلاح الهوائيات}

في المقابل، ترتكز فكرة جامعة هارفارد على خطط طُرحت خلال الستينيات من أجل {إصلاح الهوائيات}. يعني ذلك أن تجمع هذه الهوائيات أو تنقل حقلاً كهرومغناطيسياً متنوعاً يكون متصلاً بدائرة كهربائية تحتوي على صمام ثنائي (صمام يسمح بتدفق التيار في اتجاه واحد). تقضي الفكرة الأساسية بأن تسخّن الأرض الصمام الثنائي فيما تبث الهوائيات الحرارة للحفاظ على برودة الدائرة الكهربائية. يؤدي تدفق الحرارة إلى نشوء تيار متردد ليحلّ مكان كل دورة من الموجات بالأشعة تحت الحمراء. ثم يحوّله الصمام الثنائي إلى تيار مباشر فيتدفق التيار الكهربائي.

خلال الستينيات، طورت شركة {رايثيون} أنظمة لإصلاح الهوائيات بموجات صغرية لتشغيل طائرات بلا طيار عبر الطاقة التي تشعّ من الأرض. بلغت فاعلية التحويل في هذه العملية 70%. لكن لا بد من تحويل هذا النجاح إلى مجال الأشعة تحت الحمراء. تكون الموجات الطولية الفاعلة أصغر بعشرة آلاف مرة، لذا قد تبرز الحاجة إلى أن تكون الهوائيات أصغر بعشرة آلاف مرة أيضاً.

أصبح هذا الأمر ممكناً الآن بفضل التقنيات التي تطورت في العقد الماضي لطباعة آلاف الهوائيات الإذاعية المصغرة على الأسطح مباشرةً. يوضح بيرنز: {تشبه كثيراً الهوائيات التي نشاهدها على الأسطح، لكنها أصغر بمليون مرة}. يمكن تغليف مجموعة من حصادات الحرارة الضئيلة داخل لوح شمسي تقليدي، ما يعزز إنتاجها الكهربائي ويزيد مستوى الإنتاج طوال اليوم.

لا يعني ذلك أن المهمة أُنجِزت. ستنتج الأنظمة الراهنة لإصلاح الهوائيات بالأشعة تحت الحمراء طاقة كهربائية أصغر من أن تحرك تياراً كبيراً. كذلك، ستتحرك الطاقة بسرعة شديدة تماشياً مع دورة الموجات تحت الحمراء السريعة ولا يمكن أن تواكبها الصمامات الثنائية المستعملة.

يمكن إيجاد الحل عبر الصمامات الثنائية الفائقة السرعة التي تستغل طريقة ميكانيكا الكم للسماح للإلكترونات بالتنقل بين ثغرات الدائرة الكهربائية. لكن لا يثق موديل بتحقيق ذلك: يظن أن محاولة تطبيق الفكرة لن تتحقق حتى ظهور الجيل المقبل من الصمامات الثنائية التي لا تزال راهناً في مراحل التطوير الأولى. يبرز عائق آخر يجب تجاوزه أيضاً بحسب رأيه: في أي منطقة مهمة، يمكن أن تصل موجات الحرارة في مراحل غير مناسبة وأن تبطل مفعول بعضها البعض، ما يحد من النجاح الذي يمكن أن يحققه أي جهاز.

لكن يظن موديل أن فكرة هارفارد تستحق العناء: {لا شك في أن اقتراحهم سيوفر التحفيز اللازم  لمتابعة الأبحاث في هذا المجال}. قد يكون ذلك الوهج خفيفاً، لكن تتوافر حوافز كافية لجعلنا نقتنع بإمكان تسخيره بالشكل المناسب.