اللهو في العتمة

نشر في 04-05-2015
آخر تحديث 04-05-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم اللهو في العتمة "البياض والمخيلة الأدبية"، عنوان لكتاب الكاتبة الأميركية توني موريسون، وهو محصلة أسئلة طُرحت في محاضرات لها أُلقيت في جامعة هارفارد، كما أنها الأساس لدروس قدمتها عن الأدب الأميركي.

أدهشتني رؤيتها العميقة التي اكتشفتها ولاحظتها وسجلتها عن تأثير العرق على الكتابة، وهو أمر في غاية الأهمية، لأنه رصد لانعكاس العرقية على الكتابة، وبالتالي هذا يكشف عن أمور كثيرة تتعلق بالواقع الاجتماعي والديني والجنسي، الأمر الذي ينعكس على لغة الكاتب حتى دون وعيه بها، وهو ما كتبته موريسون عن تأثير الأصول الإفريقية - الأميركية على الأدب الأميركي: "ويبقى مصير الإفريقانية، وطريقة ممارستها لوظيفتها داخل المخيلة الأدبية أمرا بالغ الأهمية ذلك أنه يمكن اكتشاف، عبر منظور قريب "للسواد" الأدبي، طبيعة - وحتى سبب - "البياض" الأدبي، ما الغاية منه؟

ما هي الأدوار التي لعبها اختراع وتطوير البياض في إنشاء ما يوصف بشكل فضفاض على أنه الهوية الأميركية"؟

وهي ترى أنه "في مجتمع مؤطر عرقياً، لا يوجد مفر من لغة ملوثة عرقيا، كما أن العمل الذي يقوم به الكاتب من أجل تحرير الخيال من إكراهات تلك اللغة يتراءى عملا معقدا وحاسما".

كتابها يبين أن الأدب الأميركي لم يستطع الانفكاك من مشابك الأيديولوجية العرقية، وكيف أثّر هذا على الشخصيات والسرد والتعبير الإفريقاني في النص، وهي تتساءل عن كيفية:

"انتظام الملفوفة الأدبية عندما تحاول تخيل الآخر الإفريقاني؟ ما هي العلامات، الشفرات، والاستراتيجيات الأدبية المخصصة التي يلجأ إليها العمل لاحتواء الأفارقة أو الأفارقة الأميركيين؟ فالأفارقة والأجيال التي تلتهم لم يكونوا، بأي معنى من المعاني الدالة، هناك، وحينما يسجلون حضورهم، فإن هذا الحضور يقتصر على الزخرفة، عروض للدلالة على الخبرة التقنية للكاتب الدرب، تمثّل مجازي واستعاري في بعض الأحيان، لكنه تمثل يبقى على كل حال سجين الأقمطة الثقافية السائدة".

كتابة في منتهى الأهمية ربما لم يستدل عليها أحد أو يلاحظها في بلادنا العربية والخليجية التي تمتلئ بالعرقيات بمختلف أصولها ومنابعها وتعدد دياناتها ولغاتها وحتى ألوانها، لم يفكر أيّ منها في انعكاسها على اللغة وفي حضورها فيها، وهذا في رأيي يمثل حالة صحية وأكثر إنسانية، فبلادنا التي تمتلئ بالعرقيات ربما منحتها الحضور المتكافئ والمتساوي في الهوية الوطنية، ما انعكس وضعه على اللغة التي لم تقص أحداً، ولم تصدر عرقا على عرق آخر، لذا باتت اللغة تمثل الجميع وتعبّر بلسان موحد عن الكل، فلا مجال لاكتشاف هذه العتمة التي أشارت إليها في اللغة، فبرغم من وجود الخليجيين الأفارقة الآتية أصولهم من إفريقيا أيام الرق، وغيرهم المتحدرين من أصول أعجمية وغيرها، لم تبحث ولم تسأل عن تأثير وجودها على اللغة العربية، وذلك يدل على نيلها حقوقها ومساواتها بالمواطن الأصلي بالضبط، فهي لا تشعر بأي غبن أو إقصاء أو عنصرية أمام القانون وحقوق المواطنة، لذا لم يرد على بالها مثل هذا السؤال.

أما في أميركا فالتفرقة العنصرية الحادة انعكس أثرها على اللغة، وكما كتبت موريسون: "إن الطرائق التي يحول من خلالها الفنانون - والمجتمع الذي أنتجهم - النزاعات الداخلية إلى "عتمة فارغة" إلى أجساد سوداء يتم إخراسها بعنف ولجمها على نحو مناسب، هو موضوع أساس الأدب الأميركي".

"إنها هذه الإفريقانية بالذات - باعتبارها غضاضة ووحشية - هي التي منحت المنطلق والأساس لبلورة جوهر الهوية الأميركية، لماذا ينظر إلى هذا العالم على أنه فضاء غض ومتوحش؟

ألأنه مأهول من طرف ساكنة غير بيضاء؟ ربما، ولكن يقينا لوجود سكان سود مكبلين وغير أحرار تتوزعهم مشاعر الثورة والإذعان".

فهي ترى أن "العرق يوظف كصورة بلاغية مهمة لإنشاء الهوية الأميركية إلى درجة أنها باتت تضاهي العنصريات شبه العملية والمؤطرة طبقيا، والتي صرنا معتادين على تفكيك ديناميتها، كصورة بلاغية لترويج عملية "الأمركة"، يبقى الحضور الإفريقاني شيئا لا يمكن للولايات المتحدة أن تتخلى عنه في الوقت الذي تطمر فيه كل مكوناتها العرقية".

من أصعب الأمور وأكثرها وجعا على النفس أن يكون المرء في وطنه غريبا، وأنه مواطن فقط على الورق الرسمي، لكنه في الواقع مغيب ومهمش وممحي كما جاء في جملتها هذه:

الحضور الإفريقاني- قطعاً - ليس حضورا أميركيا، إنه الآخر.

back to top