الإخوان والأزمة مع الحداثة والعصر!
![تركي الدخيل](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1491377907467332200/1491377907000/1280x960.jpg)
قبل أيام ألقى رئيس حزب النهضة التونسي، راشد الغنوشي، ندوة قال فيها إن العلمانية ليست إلحاداً، بل هي أداة تنظيمية. أما ثعلب الإخوان المسلمين وداهيتهم، حسن الترابي، فإنه يعبر في كتابه "الإسلام والحكم" عن أزمة حقيقية في فهم معنى الدولة، ذلك أن المفاهيم المطروحة حول "السلطان" و"الآخر" و"العدل" و"الرشد" ليست إلا تعابير عن قلق حقيقي، حيث إنهم لا يريدون أصلاً الدخول في النقاش العصري لمفهوم الدولة المنجز غربياً على سبيل المثال، وفي الوقت نفسه لا يريدون الانكفاء والتصوف والزهد بالسياسة، وعليه فإنهم يبحثون عن ثغرات وإمكانات للنفاذ إلى النظرية السياسية من أجل رسمها بصيغ إخوانية. وكل التنازلات التي تقال حول العلمانية وسواها ليست إلا حيلة إخوانية لمخاطبة الجموع، وإلا فإن الإخوان لا يمكنهم أبداً الانسجام مع النظم السياسية ذات البعد الهادئ العصراني الحداثي الرزين. يمتد هذا القلق لمثقفي الإخوان، وهم أشد خطراً، عندما يقاربون موضوع الدولة ضمن أزماتهم. حين نقرأ كتاب فهمي هويدي "مواطنون لا ذمّيون"، وهو هنا يخاطب العرب غير المسلمين من المواطنين الأصليين، ومجرد إظهار هذا الشعار والنقاش حول بدهية "مواطنة القبطي" إنما يعيد تدوير الأزمة، لكأنك تقول للمسيحي المصري فجأةً ومن دون مقدمات: "حسناً أنت مواطن مصري، لقد اعترفنا بك"، وهذه منّة غير مبررة، وعطاء لقيمة مكتسبة أصلاً قبل تأويلات الإخوان وحيلهم. لقد حاول المثقف الإخواني دائماً أن يظهر بمظهر المنقذ للإسلام من "الحشوية" أو"التقليدية"، غير أن ما يقومون به من جهد دُعي لفترة بـ"التنوير الإسلامي"، ليس إلا كومة من الحيل من أجل التواؤم القلق مع العصر الجارف. إنهم يحاولون خداع المجتمعات بحيلهم النظرية المأزومة.في نهاية المطاف، إن أزمة الهوية تراها في كتابات كوادر الإخوان وقادتهم، وقبل ذلك "مثقفوهم" الذين صار لهم جلبة بعد الربيع الأصولي، وصاروا ينظّرون على الناس بتحليلات ظاهرها التسامح، وباطنها جرف الطريق نحو القصور والعروش. وهذه حيلة إخوانية مكشوفة، لكنها، مع الأسف، كثيراً ما تنطلي على بعض العقلاء وأهل الرشد من حيث لا يشعرون.