دعوني أخبركم عن النحاس؛ إنه معدن يوجد في باطن الأرض، وفي بعض الأحيان يقوم الناس باستخراجه وتصنيعه، وتوجد كميات كبيرة منه في العالم، ومن أجل إعطاء فكرة عن هذا المعدن أود أن أشير إلى أن فريبورت – ماك موران وهي شركة تعدين نحاس ضخمة تملك نحو 50 مليون طن من النحاس، على الرغم من حقيقة أن معظم تلك الكمية من النحاس مدفونة في باطن الأرض وتتطلب عملية استخراجها الكثير من الجهد، وقد استخرجت شركة فريبورت – ماك موران نحو 1.9 مليون طن من النحاس من الأرض في السنة الماضية، في حين تم استخراج نحو 18 مليون طن منه على صعيد العالم.

Ad

وهذه قصة حول النحاس:

 قامت شركة واحدة فقط بشراء كمية من النحاس تزيد على نصف الموجود في مستودعات سوق معادن لندن، وتمكنت من السيطرة على مصدر حيوي للإمداد، وهو ما أفضى إلى زيادة المخاوف في أوساط التجار والمتداولين من حدوث ارتفاع محتمل في أسعار تلك المادة.

وفي مناسبات متعددة في الشهر الماضي كانت هذه الشركة تملك ما يصل إلى 90 في المئة من كمية النحاس المخزنة في مستودعات سوق معادن لندن على مستوى العالم، ما يعادل نحو 140000 طن، أو ما يكفي لصنع الأجزاء النحاسية من تمثال الحرية لأكثر من 1700 مرة.

تقارير صحافية

وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إن الشركة المشار إليها قد تكون مجموعة "ريد كايت" التي تدير صندوق تحوط في لندن يركز على تداول المعادن، ومهما كان الوضع فإن تلك الشركة سيطرت على ما يبدو على أكثر من خمسين في المئة من المخزون الموجود في سوق معادن لندن خلال الأشهر الأربعة الماضية، وهذه حال غير عادية، عندما تسيطر جهة واحدة على 50 في المئة أو 80 أو 90 في المئة من مؤونة سلعة ما؛ لأن الناس سوف يتحدثون عندئذ عن "التحكم في السوق" ويتملكهم القلق إزاء ارتفاع الأسعار والتلاعب بها.

ثم هناك الكمية التي تملكها تلك الشركة والتي تصل إلى 140000 طن من النحاس، وهي ضخمة مقارنة مع تلك الموجودة في تمثال الحرية، أو في مستودعات سوق المعادن في لندن، لكنها ليست كبيرة مقارنة مع الكميات الموجودة في العالم، وهي تقل عن إنتاج ثلاثة أيام في شتى أنحاء العالم، وينتج العالم من النحاس ما يعادل الكمية الموجودة في تمثال الحرية في كل دقيقتين ونصف الدقيقة.

كميات ضئيلة فقط

ولنطرح الوضع في صيغة أخرى، لدى مجموعة "ريد كايت" أكثر قليلاً من ربع واحد في المئة من النحاس الذي تملكه فريبورت– ماك موران، ولكن معظم ما لدى فريبورت موجود طبعاً في باطن الأرض وكميات "ريد كايت" موجودة في مستودعات لندن، ويسهل تداولها، ولكن من غير الواضح مدى صحة هذه الفكرة، وحقيقة الأمر أن من الصعب إخراج المعادن من تلك المستودعات كما أن تلك تشكل أيضاً الأساس لقصة مشهورة عن الألمنيوم: تلاعب بنك غولدمان ساكس بأسعار الألمنيوم عن طريق إبقائه في المستودعات، وطرح كميات قليلة فقط منه في ديترويت، وأفضى ذلك الى فترات انتظار طويلة من أجل الحصول على تلك المادة، ومكّن غولدمان ساكس من رفع أسعارها.

مشاكل بالجملة

وقد رفض أحد القضاة في الآونة الأخيرة هذه الرواية التي حفلت بالعديد من المشاكل، وتمثلت واحدة من تلك المشاكل في أن سعر الألمنيوم انخفض خلال وجوده في المستودعات، ولم تنخفض أسعار كل السلع، وقد ارتفع سعر بعضها، ولكن الاتجاه كان يميل الى الهبوط خلال الشهور الأربعة الماضية، وأنت لا تشتري كل النحاس الموجود في العالم ثم تعمل على خفض أسعاره.

ولكن مجموعة "ريد كايت" على أي حال لا تملك كل النحاس الموجود في العالم، بل مجرد جزء بسيط من واحد في المئة منه، وهي تملك في الوقت الراهن ما يقارب الـ90 في المئة من النحاس الموجود في مستودعات سوق لندن، ولكن تلك كمية تبدو أكثر أهمية مما هي عليه في حقيقة الأمر، وكما ناقشنا في سياق الألمنيوم فإن نظام مستودعات سوق لندن يهدف إلى تمكين الناس من تداول كميات معينة من المعادن لأغراض مالية فقط، وإذا كنت تريد تحقيق ربح من خلال التداول في المعادن فعليك أن تجهد من أجل الحصول على النوعية التي يمكن لك أن تتسلمها في مصنعك، وإذا أردت التحوط أو المضاربة على أسعار المعادن يتعين عليك استهداف عقود في سوق لندن وكذلك الكمية الموجودة في المستودعات هناك.

اختلاف أسواق المعادن

وتختلف أوضاع أسواق المعادن والأغراض المتوخاة منها، ولكن الحدود بينها تحفل بمطبات عديدة، وعندما يكون استعمال النحاس بقصد الفصل والعزل فإن القسم الأكبر منه يذهب الى مستودعات لندن، وعندما يكون الهدف تحويله الى قطع نقدية صغيرة أو إلى علب للمشروبات يتم إخراجه من المستودعات، وتقول صحيفة وول ستريت جورنال: "كان تحقيق وضع مهيمن أكثر سهولة في شهر يونيو الماضي، وذلك لأن كمية المعدن التي كانت تحت إشراف ومراقبة السوق انخفضت، وكذلك الحال بالنسبة الى الأسعار".

 وقد احتفظت المستودعات بأقل من 160000 طن من النحاس منذ منتصف شهر يونيو الماضي مقارنة مع أكثر من 360000 طن في بداية هذه السنة، ويقول بعض المحللين إن إنتاج النحاس يقل عن الطلب مما دفع بعض المستخدمين الى السحب من المخزون في مستودعات سوق لندن.

وبصورة عامة تمثلت مشكلة الألمنيوم في أنه كان في مأزق عميق: كانت أسعار التسليم الفوري متدنية جداً، وكانت الأسعار الآجلة عالية للغاية، ولذلك كان شراء ذلك المعدن وحفظه في المستودعات من اجل تسليمه في وقت لاحق عملية مربحة، وهذا ما فعله التجار وأفضى الى تكديس الألمنيوم في المستودعات بصورة كبيرة، في حين اختلفت الصورة بالنسبة الى من أراد الحصول على الألمنيوم من أجل الاستخدام الفوري.

المسار العكسي

وقد اتخذت المشكلة بالنسبة الى النحاس مساراً عكسياً في الوقت الراهن، وغدت أسعار التسليم الفوري أعلى من الأسعار الآجلة، وهكذا برزت الرغبة في إخراج ذلك المعدن من المستودعات وبيعه الآن بدلاً من الانتظار والبيع في وقت لاحق، وكان السؤال هو لماذا يتم دفع إيجار من أجل تخزين معدن في مستودعات سوق لندن في حين تنخفض قيمته؟ ولماذا لا نقدم على بيع تلك المادة الآن، ومن ثم نتمكن من تحقيق المزيد من المال ونوفر قيمة إيجار المستودعات؟ وكان أن تراجعت كميات المخزون في المستودعات كما ارتفعت النسبة المئوية من أي كمية محددة من النحاس. وإذا كنت تملك كميات من النحاس في أحد المستودعات وتحرص على الاحتفاظ بها هناك، ويعمد كل شخص آخر الى سحب كمياته منها، فإنك تصبح مالكاً لكل النحاس في ذلك المكان، على الرغم من أن ذلك لا يجعل منك أحد عباقرة السوق.

سعر الأساس

وهذا لا يعني أيضاً عدم قدرتك على التلاعب في السوق من خلال امتلاكك لكل النحاس في نظام مستودعات سوق لندن الذي يحدد سعر الأساس، وتقول جهات أخرى لصحيفة وول ستريت جورنال إن ثمة حالة من القلق تعتري البعض إزاء ما يمكن لمالك كبير للنحاس أن يقوم به، ولكن توجد حدود على الأقل في هذا السياق: وعلى سبيل المثال إذا تمكن أحدهم من مضاعفة سعر النحاس في سوق لندن فسوف يتوجه الناس الى الشراء من أماكن أخرى، أو سينقلون ما لديهم من المعدن الى مستودعات سوق لندن وبذلك تصبح عملية التضييق غير فعالة.

يمثل نظام مستودعات سوق لندن صيغة شيقة لأسواق السلع، لكنك قد تتعرض إلى قدر من المشاكل إذا عاملته مثل أسواق السلع الفعلية، وأحد الأمثلة في هذا الصدد هو الاتهام الذي وجه الى بنك غولدمان ساكس بالتلاعب في أسعار الألمنيوم ورفعها من خلال تخزين كميات كبيرة منه في مستودعات سوق لندن، وينبع القلق المتعلق بمعدن النحاس وإمكانية رفع أسعاره من وجود كميات قليلة فقط في تلك المستودعات.

Matt Levine